أطفالنا في المهجر بين اللحظة والمستقبل

مهنا الحبيل

15/2/2022

القضية التي برزت على السطح مؤخراً، في ظاهرة سحب أطفال العرب المسلمين في السويد، هي حالة تمتد لدول غربية أخرى، وإن لم تصل لمستواها، بسبب التوجه الغربي المتزايد تجاه الأسر المهاجرة العربية والمسلمة بالذات، ولكننا عنوننا الأُسر العربية عن عمد.

فالقضية هنا ليست في مفاهيم خاصة بالمسلمين، بل بالقيم الشرقية ولا نقول العادات أو الثقافات، ولكنها قيم تؤمن بأفكار تضامنية وتراحمية بين الأسرة وأركانها، تُخالف ثقافات تخلّق جديدة في التاريخ المعاصر، تؤمن بفصل الضمير الاجتماعي، وترفض الروح التكافلية بالحب والتضامن بين أعضاء الأسرة ومرجعيتها السلوكية الأخلاقية، وتعتمد بالمقابل الفردية العدمية المطلقة.

وهي في قضية السويد مثّلت تراكمية لسنوات، كأحد أبرز صور التطرف، في القهر السياسي بناءً على الاختلاف الثقافي، بغض النظر عن تصنيف الحالات وحقيقة النماذج المسيئة أو المهددة لأطفالها، وهو ما يحتاج لتفصيل مهم، وما نعنيه هنا للفهم الدقيق، بأن هناك حالات على سبيل المثال تهدد سلامة الطفل مثلاً، أو الإضرار به.

ولكن هذا القياس لا يتحقق في حالات الأغلبية من المتضررين، التي تصادر أطفالهم السوسيال أو المنظمات الشبيهة في كندا مثلاً، والوضع الكندي أفضل لكن القرارات الأخيرة التي صدرت، وقد فصّلناها بالتوثيق في مقالات سابقة، قدمنا فيها رؤية قيمية ودستورية، تخالف هذه القوانين، التي تهدد الأسرة العربية، بناء على إطار جندري حديث، فُرض على من يؤمن بالأسرة الفطرية في العالم، ومعاقبتهم لمخالفة الهوية الجنسانية، حين تبرز القضية أمام القوانين الجديدة.

وهنا يتضح لنا أمر في غاية الأهمية لا بد من تحريره، وهو أن هناك سلوك تربية خاطئ وتفاعل غضب دوري، هو في الأصل ليس سلوكاً إسلامياً رشيداً، ولكنه أخطاء وتراث اجتماعي في البيئات الشرقية، ليست في مستوى واحد، وحتى لو كانت بالفعل حاضرة في حياة الأسرة، فهي لا تعني نية الأبوين الإضرارُ بأبنائهم، أو حتى تعنيفهم، ولكنها لحظة تعبير غاضب، يحتاج الوالدان أن يضبطا مشاعرهما وسلوكهما فيها، أولاً حتى لا يتضرر الطفل وثانياً حتى لا يُصب على هذا الطفل عذاب أشد، في رحلة تأميم الدولة الغربية للأطفال، واستبدال والديهم بوالدين موظفين للمهمة أو متطوعين لها.

فالخطأ الذي يرتكبه أحد الأبوين، الأصل أنهما يتراجعا عنه، وممكن أن يصل لهما إنذار بهذا الصدد، ويتعاون مع موجّه مسلم أو حتى غير مسلم، للتنبيه على هذا الخطأ، غير المهدد لصحة الطفل كتهديد فعلي نافذ أو حياة الأولاد، لكن ما يجري هو العكس، فيؤخذ الأطفال عنوة، ويروّعون بوجع لا يُنسى في تاريخ حياتهم، ويصدم الوالدين حتى مرحلة المرض والوفاة بناء على قرار مصادرة أبنائهم، وكأنما هم قطعة أثاث تنقل لمنزل آخر، وقد حصلت حالات من هذه الصدمات للوالدين.

ثم يقال يجب أن يتم التقاضي إذا رغب الوالدان استعادة فلذات أكبادهم، وليس هذا وحسب، ولكن المؤكد أن وصول الشكوى ودقة حقيقتها، ثم التفعيل لها قانونياً ضد الوالدين، لا يوجد لها ضابط تحقق منصف من حقيقتها أو تفاصيلها، على الأقل في حالات عديدة عاشها المسلمون في هذه البلدان.

فالصلاحية شبه المفتوحة لرأي الأُستاذ أو المدرسة أو الجار أو الشرطة، أو المؤسسة الاجتماعية أو الإعلامي المختلف والرافض أصلاً لقيم الشرق، تجعل فرص الإضرار بالحالات وعدم معالجتها للمشكلة أشدُّ شناعةً وفتكاً بالروح الإنسانية، وبضمير الفرد، ومسألة أن هناك تعدٍ حقيقي في بعض الحالات من الوالدين، وأزمة سلوك تربوي لديهم، أمرٌ صحيح، ولكن ذلك لا يشمل الغالبية العظمى، وفي الجانب الآخر يعالج موقف الوالدين بضررٍ أكبر.

ولذلك يُفتح السؤال الكبير مجدداً، هل الأمر محمولٌ على أنها سياسات حماية طفولة محض، وأخطاء موظفين فيها فقط، أم أن هناك إشكالية أعمق تثبتها مجمل السياسات الإعلامية والممارسات السياسية في الغرب، والتي تعيش اليوم أزمة مزدوجة، الأولى الحاجة لدفعات العمال والمهنيين لحركة الدولة ولكن هناك كراهية وجهل بالإسلام، والثاني أن الاسلامفوبيا ليست تيار فقط، بل تسللت للحكومات والأحزاب والمؤسسات التشريعية، وهذا لا ينفي حضور الضمير الإيجابي للمجتمع الغربي في شقه المتضامن، ولا تُنكر منظومة الحقوق المدنية والعدالة السياسية.

لكنه تشخيص لواقع خطير في الذات الغربية السياسية، وفي استراتيجية الدولة ذاتها، في التعامل مع صعود نسب المسلمين المهاجرين إلى الغرب، وعليه فإن هناك تشجيع ضمني رسمي لمفهوم الدمج القهري، للمجتمعات المهاجرة وبالذات المسلمين، رغم أن المشترك الإنساني واسعٌ بين المسلمين وغيرهم، وعليه لا بد من أرضية احتواء شرسة ضد أطفال المسلمين، مع أن الإحصائيات تقول بأن غالبية الجيل الجديد لا يستنسخ فكر والديه، وتكون مساحة الابتعاد عن الدين أكبر، ولكن مجرد بقاء الجوهر المسلم للطفل، يقلق المركز الاجتماعي والسياسي الغربي.

ولا يجوز أن تُواجه هذه السياسات بخطأ فادح، وبالذات في قضية استدعاء مرجعية تحريض، من خارج محيط مسلمي المهجر، لقيادة المعارضة ضد المجتمع أو الحكومات، مع تفهمنا المؤكد لمشاعر التضامن الإسلامي والعربي، فهذا مآل كارثي يُفاقم القضية ويُعزّز مداخل الاسلامفوبيا المستترة والعلنية، فضلاً عن أن الدعوة لمغادرة المسلمين وترك مواطنتهم الغربية، لا يوجد لها أرضية حل عملي مطلقاً لملايين المسلمين.

وإنما الحل بصناعة مجتمع كفاح مدني، وجمعيات دعم للضحايا ومدافعة قانونية للنظم والمؤسسات كما يفعل أي مجتمع غربي مختلف، وتعزيز وسائط ثقافة التمسك بالهوية القيمية بقناعة لدى أجيالنا أنفسهم، حينها يدرك هذا الفتى بأن القضية ضد أسرته، ليست تقدما إنسانياً، وإنما خطأ تصور أو مشروع متطرف نُفذ على أطفال السكان الأصليين من قبله، ذلك الوعي سيكون قاعدة مواطنة صلبة لحقوقه بوطنه الجديد، حين تصل الرسالة لمجتمع الغرب الإيجابي، الذي لا يزال يجهل غالبيته حقيقة الإسلام.