الأخلاق والعقوبة بين برنارد ماندفيل والفاروق عمر
مهنا الحبيل
يستشكل البعض في توسيع رؤية المقاصد والاحتجاج بها، الى الدرجة التي يُسقط فيها أصلُ التشريع الإسلامي، لا لشيء إلا لأجل أن يتطابق مع الشرعة الدولية، التي تُقدّم نصوصا بعضها (حقوقية) في ظاهرها، لكنها مزيفة التأثير في حقيقتها، وناقصة الفهم في طبيعة الذات البشرية، وأن بعض ما يُصلح حالها من قسوة أحكام أو شدة في الوحي، إنما شُرّع في أصل هدفه، على المبنى الأخلاقي لصالح المجتمع وأمنه، كقطع يد السارق مثلاً.يوثّق الباحث الألماني السوري معتصم العمور، ارتفاع ضخم في القرن الثامن عشر في إنجلترا في عمليات عقوبة القتل، التي قد تشمل ضعفاء وأطفال في سرقات بسيطة جداً، وينقل العمور في معرض نقده للبيئة الفكرية التي انطلقت فيها فلسفة التنوير الغربي، تعليق الفيلسوف الهولندي الإنجليزي، برنارد ماندفيل (1670-1733م) على توسيع حالات القتل بكثرة في إنجلترا لتهم السرقة:(إنه من المؤكد أن السارقين ربما ارتكبوا السرقة بدافع الحاجة، ومع ذالك فإن سلام المجتمع كان يتطلب أن يتم شنق المذنبين، ربما كانت الأدلة غير واضحة أو غير كافية، وكان هناك خطراً أن يُقتل شخصٌ بريء، ولكن مهما كان ذالك فظيعاً، فإن الهدف يجب أن يتحقق، وهو ألا يفلت مذنب واحد من العقاب، وسيكون أمراً خطيراً إذا ما فضّل القضاة الذين يتسمون بالورع ضميرهم على مصلحة الأمة (..). لاحظ هنا حجم الإغراق النفعي وتنحية العمق الأخلاقي، وهي إشكالية واسعة في الفلسفة الغربية، بل إن روسو ورغم إيجابيات فلسفة الفطرة لديه، التي حررها للعالم الغربي، وطّن لقاعدة النفعية في كتاب إيميل من خلال رفض تخصيص عناية تمريضية للمعاقين، لأنه ينهك الأصحاء، وأن موت الطفل الضعيف بعوارض الأمراض امرٌ لازم، حتى لا يبقى إلا الصحيح منهم، وذالك في معرض رفضه للتداوي الطبي للأطفال، وزعمه أن الطبيعة كفيلة بتقوية المستحق منهم. والاحتجاج على أن القوانين الغربية تم تطويرها، وأن القضاء اليوم يأخذ بعين الرحمة، بل التساهل المخل احياناً في أحكام العقوبات، لا يُسقط إشكالية أزمة العمق الأخلاقي، ومرجعية النفعية المادوية للدولة ومصالح المجتمع النافذ القوي، على حساب الضعفاء، وهو بعد مركزي في الفلسفة الرأسمالية التي أسست لعالم الاعمال الحديث.وهذه العودة اليمينة المتطرفة اليوم، سواء على مستوى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وإعلان عدائيته العنصرية المتعددة، أو على مستوى صعود اليمين المتطرف في اوروبا، هو دليل على أن القيم التي أُسست في عهد التنوير الغربي الأول، لا تقوم على ميزان أخلاقي، تحدده المركزية الروحية للإنسان، وضابطها هنا الوحي المنزّل للكرامة الآدمية، واعتبار أي رعاية لحقوقها وظروف خطيئتها، محال الى العدل الإلهي الصحيح، لا المنحول لصالح القوة المستبدة، أو الظلم الذي شرّع له بعض فقهاء المسلمين. وانظر هنا بالمقابل الى هذا التعاطي، الذي حصل في عهد الفاروق عمر في ذات المسار الذي نظّر له ماندفيل، حينما رأى حكم قطع يد السارق، لا يقوم تشريعه في عام الرمادة، والقول أن عمر قد عطل الحكم جهل كبير، وهنا يتبين لك منهج المقاصد، كضرورة فقهية وتشريعية في حياة الناس، فالحكم بقطع اليد يُقدّر بحكم الإضرار الذي يسببه والظرف الذي أحاط به. وانشغال بعض الفقهاء في تقدير القيمة المالية، عن الحالة الظرفية والبيئة التي تحصّلت فيها جريمة السرقة، هو انحراف عن الهدي القرآني نفسه، الذي تبينه عمر ابن الخطاب الخليفة الثاني في الإسلام.فنظره لحال الناس وواقع بيئتهم في عام الرمادة، جعله يدرك أن هذه الحياة الظرفية، لا ينطبق عليها حكم الحد، وبالتالي فإن قطع اليد هنا يعتبر تعدياً مخالفاً للعدل الأخلاقي الذي جاء به القرآن الكريم، ولذلك نحتاج في مراجعة الفتاوى، وأقوال الطبقات من العلماء، الى هذا التبين الدقيق، وأن تُضبط مراجعة الفتاوى الفردية، بحسب أصول الشريعة، لا أن تؤخذ أصول الشريعة من هذه الفتاوى، التي فيها من الفقه والحكمة والدلالة الشيء الكبير، لكنها تظل رؤية فردية، تردُ إلى أصول الاستدلال فيها. لقد بينا هذا المدخل، حتى لا تشكل أحداث التاريخ ومظالم الممارسة، أو السلوك على أهلية المركز الأخلاقي في الشريعة، ويضطرب الموقف من المبدأ الأصلي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، ونوضح الأصل المرجعي بين الفلسفة الغربية ومنهج الإسلام الرشيد. ورغم حضور مراحل الانحطاط والظلم السياسي، غير أن بقية الممانعة الأخلاقية ظلت حاضرة بين المسلمين، وأن روح نظام الوقف بذاته وهو سلوك اجتماعي لا يخضع في الأصل لسلطة الدولة، وانما لحيوية المجتمع، وهو سلوك حياة ومشروع تفاعل، انطلق من الكليات الأخلاقية للشريعة الإسلامية.
السياحة والنظافة والحضارة مهنا الحبيل بدت لي أزمير محطة مهمة لبدأ الرحلة التركية البرية، كان…
السياحة الفكرية في تركيا مهنا الحبيل تأخرت رحلتي السياحية بين المدن التركية عشرة أعوام، حيث…
سؤال الدولة الإسلامي والاستئناف الفكري مهنا الحبيل وقفنا في إعادة تحرير النموذج الماليزي على سؤال…
أبو بكر الصديق في عالمنا اليوم مهنا الحبيل إن العودة للحياة الإسلامية الأولى، وخاصة الصدر…
المرجع الأخلاقي للعالم الجديد مهنا الحبيل إن المقياس الذي يعكس بدقة، حقيقة الكوارث التي يعيشها…
المستقبل التعليمي لأجيالنا في المهجر الغربي مهنا الحبيل كانت أنباء التطورات في كل من ألمانيا…