Categories: مقالات

الإستراتيجية الفكرية للإبادة الصهيونية

الإستراتيجية الفكرية للإبادة الصهيونية

مهنا الحبيل

في العاشر من سبتمبر الجاري حصل المذيع الإنجليزي الرياضي الشهير، غاري لينكر على جائزة التلفزيون الوطني في بريطانيا التي تعتمد على تصويت الجمهور، وكان لينكر قد طُلب منه الاستقالة في 19 مايو أيار الماضي لتتخلص منه البي بي سي، رغم شهرته وقوة حضوره المؤثرة في عالم الصناعة الموازي (البريمر ليج)، الذي يمثل دخلاً قومياً للمملكة المتحدة، فضلاً عن أنه الإرث الوحيد المتبقي لبريطانيا العظمى، الذي لم تغيب عنه الشمس بعد. كان غاري لينكر قد نشر مادة على مواقعه، تشير الى مستوى وحشية الإبادة التي ينفذها الكيان الصهيوني، على شعب غزة وقد تجاوزت كل نموذج دموي عرفه العالم، بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة من حيث أن هذا الذبح والإبادة الجماعية تجري أمامنا، على الهواء مباشرة حتى الساعة، ويشهدها العالم كله، وفي مطلعهم النظام الدولي ذاته للمنتصرين في الحرب العالمية الثانية. وهو النظام الذي حدد من هي الدول المارقة، والأنظمة الوحشية التي تحتاج الى عقوبة أو تدخل، ولكن ظل هذا المدار محكوماً بإستراتيجية التوحش الرأسمالي، التي انطلقت منها الإرادة الغربية الحديثة المنافقة، وهي ذاتها ممثلة بلندن ذالك الوقت 1917 وما قبله، هي من قدم وعد بلفور للمجموعات الصهيونية. في قصة موثقة مهمة عن قرار الغرب التخلص من جماعات واسعة من اليهود، باتفاق مع هذه المؤسسات الصهيونية ذاتها، التي نشطت بين إسطنبول ولندن كما وثق ذالك د. المسيري وغيره من الباحثين الكبار في الاستشراق، بما فيهم المفكرين الغربيين، وكان هذا الهدف محل إجماع من عواصم غربية كبرى بما فيها موسكو القيصرية، قبل أن ترث واشنطن مسؤولية الرعاية الكبرى للكيان الوليد، وإمداده بقدرات الإبادة المستمرة.في كلمته في حفل الجائزة، لم يتراجع غاري لينكر الذي صوّت له الجمهور البريطاني الضخم، عن موقفه من الإبادة، رغم أنهُ فقد موقعه التاريخي في البي بي سي، لكن لينكر ليس نموذجاً منفرداً، بل نحن نتحدث عن آلاف المبدعين أو المشاهير في الغرب، اللذين سجلوا موقفهم من الإبادة الصهيونية، بل وُلد في هذا الغرب ذاته، شخصيات نبيلة عظيمة في اعلان موقفها الرافض، وفي تبني موقف التأييد لحق فلسطين في الحياة والوجود والمقاومة، وأنت لا تُحصي اليوم عشرات الآلاف، من مواقف الضمير الشعبي الغربي المنصف، الذي ببساطة لا يمكن أن يعتبر جريمة حرب غزة، إلا عمل إبادي لا نظير له. وهنا رابط فكري وسياسي معاً للعدوان الصهيوني على الدوحة، واستشهاد العسكري القطري علي الحميدي الدوسري، وضيوف قطر من الأخوة الفلسطينيين رحمهم الله، من أقارب ممثلي المقاومة، يبين هذا المدخل المهم، أن أعمال الكيان الصهيوني، لا يمكن أن تندرج إلا تحت الكيان المارق، ولا نقول دولة مارقة، لأن قصة التأسيس ومشروع الترسيخ الإبادي، قائم على انتزاع جغرافية لا علاقة لها بالمحتل، وتسليمها من محتل قديم لا يملك الحق، الى مجرم مغتصب لا يملك الشرعية. والأرض المحتلة لها شعب قائم وتاريخ ملتحم مع جواره العربي، قبل أن تولد الدول الحديثة لمئات السنين، وقبل الدولة العثمانية ذاتها، فكيف نُزع الحق التاريخي الشرعي من شعب فلسطين، هنا السؤال العائد اليوم.إننا في النطاق الفكري نطرح سؤالاً مهماً، في طبيعة النزعة الإرهابية لمجرم الحرب نتانياهو، هل هو عهد جديد للكيان الصهيوني، أم انه جذر قديم، هل الإعلان الديني السياسي لهذا المجرم، بانه مشروع إسرائيل الكبرى، منفصل عن جذور روح التوسع القائمة على القتل وإبادة الشعوب، التي تبنتها الحركة الصهيونية، أم أن نتانياهو وإن تطرف في سياساته، فيبقى أنهُ جزء من عقيدة قومية صهيونية لبني إسرائيل، المنحرفة عن دين موسى عليه السلام.حسناً..هل هذه البنية الجديدة لقاعدة المشروع الإرهابي الأخير، في إبادة غزة، وفي توسع عدوان الصهاينة حتى وصل الى مقر مفاوضات تم تخصيصه في الدوحة، باتفاق دولي مع الراعي الأمريكي، لمناقشة ورقة الرئيس الأمريكي نفسه! هو عمل منفصل عن الإرادة الغربية؟ هل هذه الإرادة عاجزة عن وقف العدوان الصهيوني والإبادة في غزة، أم أن جذر العلاقة القديم لا يزال قائماً في مشترك الإبادة، الذي كان قادة الحركة الصهيونية يحتجون به على الغرب القديم نفسه، كونه شرّع الإبادة ضد شعوب الجنوب العالمي، لتنشأ وتتقوى مشاريع الشعوب الغربية المتحضرة!ونحن اليوم لا نتحدث في إطار التعاطي السياسي الدبلوماسي وغيره، وواجبات مجلس التعاون الخليجي ضد هذه الاعتداءات، بما فيها جسور التواصل والضغط على واشنطن، ولكننا نعتني بمادة مهمة للفكر السياسي، نرصد فيها جذور هذا العدوان، وتطوره منذ بدأ حرب الإبادة في السابع من أكتوبر، وأين نجد تأثير الجذور العقائدية عملياً في سياسة التوحش الإبادي الإسرائيلية-الغربية المشتركة، حتى مع خلاف العواصم الغربية (المفترض) مع تطرف نتانياهو.للحديث بقية

mohana63

Recent Posts

السياحة والنظافة والحضارة

السياحة والنظافة والحضارة مهنا الحبيل بدت لي أزمير محطة مهمة لبدأ الرحلة التركية البرية، كان…

5 أيام ago

السياحة الفكرية في تركيا

السياحة الفكرية في تركيا مهنا الحبيل تأخرت رحلتي السياحية بين المدن التركية عشرة أعوام، حيث…

5 أيام ago

الأخلاق والعقوبة بين برنارد ماندفيل والفاروق عمر

الأخلاق والعقوبة بين برنارد ماندفيل والفاروق عمر مهنا الحبيل يستشكل البعض في توسيع رؤية المقاصد…

5 أيام ago

سؤال الدولة الاسلامي والاستئناف الفكري

سؤال الدولة الإسلامي والاستئناف الفكري مهنا الحبيل وقفنا في إعادة تحرير النموذج الماليزي على سؤال…

5 أيام ago

أبو بكر الصدّيق في عالمنا اليوم

أبو بكر الصديق في عالمنا اليوم مهنا الحبيل إن العودة للحياة الإسلامية الأولى، وخاصة الصدر…

شهر واحد ago

المرجع الأخلاقي للعالم الجديد

المرجع الأخلاقي للعالم الجديد مهنا الحبيل إن المقياس الذي يعكس بدقة، حقيقة الكوارث التي يعيشها…

شهر واحد ago