الإسلامفوبيا..ظاهرة أم تخطيط سياسة

مهنا الحبيل

26/4/2022

عادت السويد لتصدّر المشهد الأوربي في تأمين مسرح الكراهية للإسلام والمسلمين، – الاسلامفوبيا – وعاد السؤال في ظل حركات الاحتجاج التي نفذها شبان مسلمون في السويد، وشملت مواجهة عنيفة مع الشرطة إثر الترخيص لكراهية المتطرف راسموس، عن مستقبل العلاقات المدنية للمسلمين في السويد، أو المهجر الغربي بالعموم، فهناك دلائل واضحة بأن صخرة الكراهية التي تصنع التوتر الخطير في المجتمعات الغربية مع المسلمين، لا تزال تواصل دحرجتها، ومشهد الانتخابات الفرنسية يؤكد هذا الرصد.

       ووفقاً لما نشرته الصحافة السويدية ذاتها عن راسموس بالودان، الذي يواصل عمليات حرق نسخ المصحف الشريف، فإن مشروعه المعلن هو الوصول إلى تشريع يؤسس لقوات شرطة عسكرية تُجلي اللاجئين قهراً، وهو يضع إطاراً حصرياً لمفهوم المواطنة في السويد وقبلها الدنمارك جنسيته الأصلية، لا يمكن أن تشمل المسلمين حسب معاييره.

       ويحظى راسموس بتأييد حزب ال SD السويدي (ديمقراطيو السويد) وهو حزب ذو نزعة نازية وعنصرية، لكنه يملك كتلة برلمانية، وعند بدايات تأسيس حركته حظيت هذه الجماعة اليمينية المتطرفة، بدعم من حزب الجبهة اليمينية الفرنسي المتطرف، ورغم العوائق التي تعرض لها، بسبب مواقفه ضد اليهود، حيث لا تسمح له الحياة السياسية في الغرب بالتعرض لليهود، إلا أنه عاد ليكسب زحماً جديداً كان من أبرز عوامله، تركيزه على استهداف المسلمين وتبني تهجيرهم.

       ولقد نقل راديو السويد في ابريل 2021 دعوة الحزب إلى قانون، يُشرّع سحب الإقامة من كل أفراد العائلة التي يتورط أحد افرادها بجريمة خطيرة، وهو يعتبر أن أي (سلوك معادي للمجتمع (جريمة) – بحسب أيدلوجيتة-) أساس قانوني للترحيل، وبالطبع تركز حملاته على المسلمين.

       وهذا التخادم بين راسموس وأحزاب اليمين المتطرف، له امتدادات تعاطف في الحالة السويدية، إضافةً لأسئلة القلق من الوجود الإسلامي التي تنتقل إلى قطاعات أخرى من الشعب، في ظل دائرة الفراغ التي تفصل بين المسلمين وبين مواطنيهم، وهي ظاهرة تتعدى السويد إلى مجمل الغرب، حيث تقل جسور التواصل وتفعيل علاقات الشراكة الوطنية، التي يمكن للمسلمين عبرها شرح قيمهم وتقديمها بصورة أخلاقية، في حين يتقاصر العمل المدني الحقوقي والسياسي كثيراً.

       ولقد انفجرت المصادمات الأخيرة بعد حملات مواجهات احتجاجيه، على منظمة رعاية الطفولة (السوسيال)، والتي يشتكي المسلمون من تصاعد عمليات استهدافهم عبرها، وتأميم أطفالهم بعد الوصاية عليهم من قبل تشريعات الدولة، التي أعطت صلاحيات خطيرة للمنظمة، تكفي لتمزيق البيت المسلم المهاجر، وتتعدد الشهادات التي تشير بأن حالات أخذ الأطفال، ليست قائمة على سلوك عنيف خطر عليهم من ذويهم فقط، ولكن المنظمة تركز على كل قيم تخالف نظام وتعريف الأسرة في المجتمع المسلم، كمبرر لاتخاذ خطوات عنف (قانوني) لنزع الأطفال عن ذويهم، وهي أيضاً ظاهرة تتجاوز السويد إلى دول غربية أخرى.

       هذه الخلاصة المهمة لفهم أجواء ما يقع في السويد، ينقلنا أيضا إلى فهم سؤال الرفض والقلق الكبير في الغرب، من تواجد المهاجرين، وهو في الحقيقة أزمة سياسية تاريخية للغرب، قبل الوصول إلى إشكاليات السلوك غير السوي أو بعض الانحرافات المؤكدة للقادمين من الشرق، التي تساهم بالضرورة في أزمة مجتمعات المسلمين، وتحرمهم من فرص تقديم قدوات والحصول على مواطنة أكثر عدالة.

       فالأمر اليوم بات أعقد من هذا القصور، لكون فكرة استهداف القيم الإسلامية ضمن حق الأسرة والطفولة المحض، بات تحت هذا الاستهداف التشريعي، ثم سُعرّت حملات إعلان الكراهية الخطيرة، التي لا يوجد أصل فلسفي ولا أخلاقي تشريعي يضعها في ميدان حرية التعبير، وإنما حرية التجريح والإساءة، ونقض السلم الاجتماعي في المجتمع، وهو التعريف الذي يتطابق مع تصرفات راسموس وغيره.

إن هناك تسلسلاً متداخلاً في أزمة الغرب مع المهاجرين، نوضحها في الآتي:

1- أصل القضية هو في تضخم انهيارات الجنوب، والذي ساهمت فيه القوة الغربية التي أصبح عليها العالم، في التشريعات الدولية أو الإدارة العالمية (لقيم) السوق، وبالتالي اختلال الميزان العالمي مع تطور الفساد والاستبداد في الجنوب، وخُلق انقسام عالمي بين مناطق للهجرة مستقرة غنية ومناطق فقيرة متفجرة.

2- ورغم وجود أسس تشريعات ضمير إنسانية، إلا أنّ الحاجة لليد العاملة وخاصة في ظل ضعف النسل في الأمم الغربية، قد فرض احتياجات التشغيل لمصالح الغرب عبر هذه العمالة والوظائف التي يمثلها المهاجرون، وهنا نؤكد على عمليات الاستثمار القائمة للموارد البشرية المهاجرة.

3-  ازداد عدد المهاجرين، وبالتالي أصبح بعض المجتمع الغربي القديم يضيق بحصول المهاجر على ذات المساحة السياسية والحقوقية، وحينها برز موقف الرفض المتعدد في تصريحات سياسية، وأصبح الضيق من اللاجئين مادة صعود إعلامي، رغم أن جذر الأزمة هو رأسمالية السوق الجشع، والسياسة التي تحركه.

4-  يجب أن نشير هنا أن حتى إطلاق مفاهيم الحرية والديمقراطية، لم تعد تمثل حلاً سحرياً لا في الغرب ولا في الشرق، فالمأزق بات في فلسفة النظام المدني الحديث، الذي يُسقَط عبره المصطلح، دون تصحيح الواقع لصالح الإنسان وحق كرامته وحق مشاركته الشعبية.

إذن هذا التصادم والعجز وعدم قبول فتح أبواب تفاهم، مع ثقافات الأمم، وبالذات القيم الأخلاقية الإسلامية، واستحضار تاريخ الصراع الغربي الإسلامي القديم، في وجدان المشاعر القومية، وحجم التشويه الذي يتعرض له الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ساهم بقوة في دمج المسارين الخطيرين، وفتح أبواب التحريض لا المعالجة، مع أن أهم قواعد الدولة المدنية هو السلم الاجتماعي.

 هنا نقطة نظام قوية في خلل الجريمة الفكرية التي مثلها راسموس وغيره، وتصريح وزير العدل السويدي في تأييد حق الأعمال العدائية لمشاعر المسلمين، ورفضه الردود المستنكرة، مسبوق بتصريحات عديدة من مسؤولين غربيين، وهو ما يؤكد أن التقاطع السياسي المسبق متصلٌ بالظاهرة.