الاستقرار الديني السياسي وفقه الدولة
مهنا الحبيل
قبل التوغل في المقال أُشير الى أن الحياة الحزبية السياسية في ماليزيا، قائمة بقوة، وصراعاتها متعددة، فالقضية ليست ثوباً أبيضاَ كما يعتقد البعض، والغضب الشعبي الأخير انفجر على رجل ماليزيا التاريخي، د. مهاتير محمد بسبب سيطرة عصبيته الذاتية في الصراع مع د. أنور إبراهيم، وعودته للمناكفة في الاتفاق السياسي المشروط، والذي أفضى لحل البرلمان حتى لا يتسلم أنور إبراهيم رئاسة الحكومة. كما أن صراع الحزب الإسلامي الماليزي اليوم، مع د. أنور رئيس الحكومة، يدخل في إطار هذه المعارك الصعبة في الحياة السياسية، إذن أين هو الفارق وما هو السر الذي تتمسك به كوالالمبور الإسلامية؟ في ذات المحاضرة التي ألقاها بيننا د. لقمان عبد الله، وشهدت حضوراً متعدداً من شخصيات وعلماء أفاضل، أصّل فيها المفتي السابق قواعد التعليم الديني، وهو مشترك واسع وجدته حاضراً امامي في كل ولايات ماليزيا، وكل أطياف الملايو السياسية، وهو أن المعتقد الديني يتحد في المنهج السُني الأشعري، والمذهب الفقهي الشافعي، والمسلك الروحي يعتمد التصوف السُنّي، وأوضح الشيخ أن هذه الأمور في التعليم الديني مشرّعَةً في قانون دستوري. فأين حرية الفرد الدينية هنا، في مجتمع ماليزيا الحديث، الذي يضم مسيحيين، وسيخاً، وبوذيين وغيرهم؟ يُبين الشيخ لقمان أن هذا المعتمد للمسلمين فقط، وأن لكل دين رئاسة ننظم شؤونها، غير أن الفقه الإسلامي له علاقة مباشرة بحماية القيم العامة للمجتمع، والأطر الفكرية لأجهزة الدولة. وهنا طرح سؤال آخر ماذا عن المدارس السنية الأخرى؟ بحسب علمي فإن المدرسة السلفية التي نُقلت من خارج ماليزيا بات لها حضور قوي، وتخضع لها السلطة الدينية في أحد الولايات الماليزية، غير أن المنهج السني العام، الذي تشترك فيه كل مجتمعات الملايو بما فيهم الحزب الإسلامي، وحركة د. أنور ابراهيم، ومنظمة أمنو بجناحيها هم جميعاً تشملهم هذه المدرسة المتحدة. على مستوى الأفراد لا حرج على المسلمين في اتخاذ ما يرونه قناعة وعقيدة دينياً أو علمانياً، أما على مستوى التدريس والدعوة للمذاهب الدينية، فلا يجوز لهم أن يروجوا لمذاهبهم، وبصورة خاصة منع النشاط التبشيري للمذهب الاثنا عشري، الذي تتولاه الجمهورية الإيرانية رسمياً منذ عقود، وتمكن من تفريق المجتمع الإندونيسي، وهذا الأمر قد يُشكل على الباحث. غير أن د. لقمان أوضح أن مدار الأمر هنا على ضبط الساحة الدينية، وأن انتشار الدعوات وتصادمها، لا تتحمله الدولة الماليزية ذات التوازن الدقيق والحساس (الملايو ومواطنيهم الهنود والصينيين غير المسلمين)، وخطر هذه الفوضى تشهد له نماذج في افريقيا وآسيا، بعد مرحلة من التبشير المذهبي المخالف. كل ذالك لا يُشرّع قمع الأفراد في رؤاهم وفكرهم، وهذا منتفي في ماليزيا ففضاؤها واسع، غير أن ضبط الخطاب الديني أو فلنقل مسارات التعليم والتوجيه فيه، هي ساحة حساسة لتجاذبات عنيفة، يخشى فيها من أي اختراق يؤثر على الحياة الاجتماعية والسياسية. وقد لا حظتُ هنا أمراً مهماً، وهو أن علاقة المفتي برؤساء الجماعات الدينية غير المسلمة، إيجابية، وأن هذه القيادات طلبت لقاء مع المفتي شكت له فيه، بأن المسلمين لا يأتون للمطاعم التي يمتلكها أصحاب أديان مختلفة، وأن ذالك بسبب تأثرهم بالمفتين الإقليميين. ويقول د. لقمان أن دار الإفتاء أكدت لهم أنه لا يوجد أي فتوى لا قديمة ولا جديدة، تُحرّم التعامل مع مطاعم غير المسلمين، وأن مدار المنع قائم على وجود الطعام الحلال من عدمه، وأن هذه المطاعم لو جلبت طعاماً حلالاً، فلا حرج على أي مسلم من قصدهم، وتم ذالك بالفعل وانتهت المشكلة! لفت نظري هنا أن رؤساء الطوائف الدينية، لم يشتبكوا سياسياُ، ولكنهم تحت قانون الدولة المنظم للحقوق، اعتمدوا الحوار المباشر مع مواطنيهم المسلمين، وحُلّت المشكلة بلا تصعيد ولا اشتباك سياسي. في هذا الصدد يرى الباحث السوي الألماني معتصم العمور، أن رغم الظلم السياسي، في تاريخ المسلمين إلا أن نظام الحوكمة الاجتماعية والمحلية، كان يُقدم نماذج مدهشة ومبدعة من الاحتواء، والتسامح بين المسلمين وغيرهم، وأن المفهوم الأخلاقي الإسلامي، هو من حكم الضمير القانوني العام، الذي ساد في هذه المجتمعات المحلية، عبر توطين الفقه الاجتماعي، دون سلطة سياسية. ويقدم العمور أدلة من تاريخ التراث الإسلامي، في علاقة المجتمعات تحت هذه الآداب القانونية العامة، وأنها تشمل العلاقة مع غير المسلمين، كما أنها كانت تدير العلاقات الأخوية بين المسلمين، القادمين من كل أصقاع الدنيا، وأن الغربة أو التعيين بالمواطنة من عدمها، لم تكن سائدة قبل هيمنة مفهوم الدولة الحديثة، المستعار من الغرب، أو المطبق في أقطار المسلمين اليوم.أين هنا الفراغ الذي نعيشه في فقه الدولة إذن؟
السياحة والنظافة والحضارة مهنا الحبيل بدت لي أزمير محطة مهمة لبدأ الرحلة التركية البرية، كان…
السياحة الفكرية في تركيا مهنا الحبيل تأخرت رحلتي السياحية بين المدن التركية عشرة أعوام، حيث…
الأخلاق والعقوبة بين برنارد ماندفيل والفاروق عمر مهنا الحبيل يستشكل البعض في توسيع رؤية المقاصد…
سؤال الدولة الإسلامي والاستئناف الفكري مهنا الحبيل وقفنا في إعادة تحرير النموذج الماليزي على سؤال…
أبو بكر الصديق في عالمنا اليوم مهنا الحبيل إن العودة للحياة الإسلامية الأولى، وخاصة الصدر…
المرجع الأخلاقي للعالم الجديد مهنا الحبيل إن المقياس الذي يعكس بدقة، حقيقة الكوارث التي يعيشها…