مهنا الحبيل

10/1/2023

تزداد التغطيات العربية الخليجية والدولية عن الاحتجاجات الشعبية في إيران، ويدور الجدل في تقييم المشهد بين التوجيه السياسي للتغطيات التي تضخه هذه المحطات، وبين الواقع الشعبي في إيران، والحقيقة التي يستطيع أن يدركها المراقب، أن هناك تواصل في صعود هذه الاحتجاجات، التي جددها مقتل مهسا أمني الناشطة الكردية، ومن سقط بعدها في حراك الثوار المدنيون، وهو يتوسع شعبياً وقوته حاضرة في الشارع العام، غير أن ذلك كله لا يُحدد ساعة صفر، وإعلان سقوط النظام.

       فالجمهورية الدينية، تعودت مواجهة دورات التصعيد من المعارضة الشعبية، في عدة مواسم، وواصلت ضخ ميلشياتها، إلى المناطق العربية، بل وعزّزت نفوذها، في العراق وسوريا واليمن ولبنان، ورغم مستوى التدخل الإيراني وتوحشه، إلا أن ذلك ليس بالضرورة مؤشراً كافياً لقوة النظام، وطهران اليوم، تتمتع بموقع أفضل في دول الخليج العربي، فهناك علاقات مباشرة قوية، مع أعضاء داخل المجلس، بسبب فقدان الثقة بعد الأزمة الخليجية، الذي أصبح واقعاً في التفكير الاستراتيجي، رغم المصالحة.

       كما أن مفاوضاتها مع الرياض تتقدم، بعد تسوياتها الأخيرة مع أبو ظبي، ومع ذلك فهذا لا يكفي لكي تَعتبر طهران موقع أقدامها قوياً، وهي لا تزال تدير صراعاً إعلامياً وثقافياً معلناً وليس تحت الطاولة فقط، مع السعوديين.

 يلفت النظر هنا أن الرياض توجهت مؤخراً لتغيير قواعد اللعبة، فهي باتت تعتمد طريقة طهران في مد الأيادي، وبقاء فكرة المواجهة مع الخصم (الصديق) مشتعلاً، لكن بالطبع كانت خسارة السعودية في حرب اليمن، نقطة مركزية لصالح طهران.

       وهذه الجسور التي يُنتظر، أن تختتم بعودة العلاقات وفتح السفارات، بين طهران والرياض، تحمل وراءها توظيفاً للصراع بالوكالة، ولطهران سجل قديم فيه، وهي اليوم تستثمر الصراع الداخلي السياسي في البحرين، وفشل الدولة في معالجة التوترات الوطنية بعد الانتفاضة الشيعية في 2010، والوضع يتردى في البحرين حتى مع الحالة السنية، وبالذات الأصوات التي تدعو للإصلاح، هنا يبرز معنى مشروع الشيخ قاسم المتوغل في الهوية الطائفية، وتقديم ذاته كولي فقيه يشرف على الثورة القادمة في البحرين، وهو توتر طائفي غير محمود، يتحمله الحكم، والجناح المتطرف في المعارضة الشيعية.

       وهذا بالطبع ينقل التوتر إلى الجانب السعودي، الذي لم يستطع وقف طهران لا في سوريا ولا لبنان، فضلاً عن العراق، ثم دخل في ازمة علاقات شعبية، مع هذه الدول، والخلاصة هنا أن هناك استمرار للحرب الباردة، في الخليج العربي، تُضفي على احتجاجات إيران تضخيماً قد لا يتناسب مع الواقع.

       ولكن هذا لا يغير من خطورة الوضع في ايران المركز ولا الأقاليم، فالمواجهة في كردستان إيران وإقليم الأحواز وفي بلوشستان، تُسعّر مشاعر الغبن القومي، وهو صراع قومي أكثر منه طائفي، وإن بقيت هناك سياسات قمعية تعتمد التفوق المذهبي، الذي يهمين على العقل السياسي والعقائدي في ايران، فالغالبية الساحقة من سكان الأحواز هم من العرب الشيعة، الذين يعانون منذ تواطؤ الإنجليز ضد أمارتهم، تحت قيادة الشيخ خزعل الكعبي، والذي انتهى باحتلال الإقليم وضمه لإيران، ومن ذلك الحين لم تقدم طهران أي مبادرة، تخفف على الأحوازيين معاناتهم وتمنحهم الحكم الذاتي.

       أما البلوش فلهم قضية مماثلة مع باكستان أيضاً، وبالجملة نحن نعاني في الشرق، من مظالم حقيقية تعيشها شعوب المنطقة المختلفة عن الغالبية، أو التي ضُمت أقاليمها لها، وتُستثمر في ايقاد الصراعات منذ ارث الاستعمار، هذا فضلاً عن الروح الطائفية التي اشتعلت بعد الثورة الإيرانية، وما قابلها من تطرف سني من بعض التيارات المحسوبة على دول المنطقة.

       وهذا الانقسام المتوزع في المعارضة الإيرانية، يساعد النظام أيضاً على تحقيق دورات متتالية لضرب المعارضين، واستيعاب حراكهم لصالح المركز، وهناك تضامن على الأرض يعكسه السوشل ميديا، بين القوة الفارسية والأذرية التي تمثل مركزية الدولة الديموغرافية في ايران، وبين أهالي الأقاليم المهمشة، لكن لا يوجد سياق تحالف سياسي يضمن فترة انتقالية بعد سقوط النظام، ولا توجد أرضية ممكن أن نعتبرها فرصة لعملية إصلاح ضخمة، لتحول سلمي في ايران، ولذلك فالمشهد الأخير في المواجهة إن استمر صعود الثوار، فهو يتجه لانقلاب دموي أو سياسي راديكالي.

       ولقد تابعتُ أحد ابرز الحسابات المعارضة، ذات الشعبية والتفاعل الكبير من الإيرانيين في تويتر، وهو ضابط سابق في الجيش الإيراني كما يبدو، وحجم التفاعل معه كبير، ويبرز في خطابه وتصعيد مراحله، تركيزه على خطة ميدانية متدحرجة، تنتهي بتضييق الحلقة على النظام في طهران، والانقضاض عليه ساعة الصفر، فهل هناك كتلة سياسية من القومية الفارسية تقف وراء هذه الحسابات، وهل هناك حكومة ظل ستقفز الى المشهد، بعد إسقاط (الجمهورية الإسلامية) وهم يطلقون هذا العنوان، كعزيمة لديهم لإعادة إيران الى حكم مدني ديمقراطي لكن يقوده الفرس قطعاً.

       ولاحظتُ هنا بعد متابعة لسنوات للمعارضة القومية في الأحواز وبلوشستان، وحتى منظمة مجاهدي خلق، أن هذه القوى انفتحت على الدعم الخليجي، وعززت الصورة النمطية التي تقودها بعض المخابرات الخليجية، وهو ما أضعف قوتها ومتانتها السياسية، فيما هذا الحراك الفارسي المتطور الجديد، الذي قد يكون له دعماً دولياً سرياً، لكنه يصر على عزل ثورته عن استثمار بقية الأطراف، وقيادة جموع الشباب، نحو الهدف الموحد المركزي.

       وحتى الآن لم يتعرض هذا الخط لانكشاف، ولا ندري إذا كانت المعارضة الإصلاحية الخضراء داعمة له، أو أنها فقدت القدرة على توجيه الشارع، وقد تنجح جمهورية ولي الفقيه في تفريق هذه الكتلة، وإحباط آمالها كما فعلت مع غيرها وتلقي كرة النار إلى الخليج، أو يستمر هذا الزحف في صعوده، وقد يفاجئ العالم، بلحظة فارقة في تاريخ إيران، يعلن فيه البيان رقم واحد.