افتتح أ. مهنا الحبيل اللقاء الثالث لمقهى المهجر الكندي، الذي اختار مدينة مونتريال /مقاطعة كيبيك لإحياء أُمسيته 23/ مارس /2019
مُرحّبًا بالحضور الكريم، شارحًا فلسفة بساطة المقهى القائمة على توطيد روح الإلفة بين رواده، وفكرته التي تسعى لإحياء نماذج سادت من قبل في المهجر الغربي، وقدَّمت إثراءها في المسار الثقافي والتنويري الفكري.
مع هذا الإحياء فإن مقهى المهجر الكندي طموح في بعث روح التجديد على المسار القديم، لذا تقوم ركائزه على ثنائية:
_ تنشيط الجمال الثقافي، والأدبي العربي، مع البعد ما وسعه عن الاشتباك السياسي.
_ الاقتراب من فهم المجتمع والثقافة الكندية، لتسهيل وضع تصورات سُبل التعايش للمهاجرين العرب والمسلمين في كندا، وعموم المهجر الغربي.
التاريخ الاجتماعي لكيبيك:
الناشط الاجتماعي أ. حسن غيّة ، كما يصفه أ. الحبيل ويراه كعلامة فارقة في نسيج الوجود العربي المهجري، لما يحمله من فكر مدني مجاور لعلمه الشرعي، ووجوده الفاعل على الأرض.
استعرض أ. حسن الرحلة التاريخية لكيبيك، من بداية اكتشافها كأرض جديدة للرحالة، وتنقّل أطوارها التكوينية، من جميع ابعاده العرقية القومية، الدينية الطائفية ،ووصولًا للدولة الحيادية المدنية.
وماصحب هذا التطور الزمني من معاناة كانت نتيجة لعاملين:
الأول:
التماهي الكبير للكنيسة، في بعدٍ مصلحي مادي، مع سلطة التاج الحاكم، الفرنسي أو البريطاني، للضغط على المجتمع والسيطرة التامة عليه،بأوضاع يمكن وصفها بالتوحش والاضطهاد والحصار المعرفي للمجتمع من قِبل الكنيسة،
واستمرار هذا الحال حتى التاريخ الحديث وتكوين الاتحاد، تقريبًا حتى العام 1960م
وكيف أن روح الدين التأسيسية، كطابع عام مازالت موجودة حتى بعد التحوّل العلماني للدولة، وضرب مثل بوجود الصليب في مبنى البرلمان والحفاظ عليه، ولو تم التسويغ بالحفاظ على الموروث الثقافي، مما يعكس فكرة ان التمرد في أصله كان تجاه الكنيسة وسلوكها، اكثر منه تمردًا تجاه الدين بمفهومه العام.
وعن هذه الفترة من بعد 1960م والتي تسمى بالثورة الهادئة، والحراك المجتمعي فيها المطالَب بالحريات والحقوق والانفصال عن الكنيسة، وعن ردة الفعل بعد التحرر، الناتجة من الضغط الكبير وعدم وجود مساحات للإنسان، وكيف تنقلب الأمور إلى نقيضها في القذف بكل شيء دون حسابات للربح والخسارة الفردية والمجتمعية، والتركيز فقط على الابتعاد عن كل ما يربط بتعليمات الكنيسة دون تفكير ولا تمييز، والتي تُرى الآن من مخلفات المرحلة في هدم الأسر وروح الإنسان.
وكيف صحِبت هذه الفترة أثرها للوقت الحالي، في بصمة الاستعداء المصعّدة بوضوح تجاه الأديان.
العامل الثاني:
المشكلة القومية، والتي تمثّلت في الهيمنة البريطانية بعد حرب السبع سنين في أوروبا، مما جعل جزءا كبيرا من النضال التحرري ينادي بثنائية الثقافة واللغة، لمعادلة حالة التهميش والاقصاء التي سادت لفترة.
تعيش كيبيك الآن ظرفًا مختلفًا، وصلت له بعد معترك طويل كفاحي وعبر تطوّر متدرج، أوصلها لاحترام الثنائية الثقافية-الفرنسية، والبريطانية، مع طموح وتأثر أكثر بما وصلت له فرنسا.
في ختام كلمته أشار أ. حسن غيّة:
أن الوعي ببعض الأمور للوجود المسلم في كندا، من شانه الإيعاز، بضرورة توحيد خطاب المطالبة بالحرية والحقوق وفق الدستور ونصوص الحريات والاحترام والحيادية فيه، مع العمل على إيصال رسالة ان مايطلبه المجتمع المسلم في كندا، ليس فرض دينه على احد، إنما حريته في إقامة شعائره والتمتّع بكامل حقوقه الدستورية وفق رؤيته للحياة.
وكما ان العسف من المؤسسة الدينية، يأتي بردة فعل مضادة، كذلك الحال مع العسف في الاتجاه الآخر، يولِّد ردات فعل مضادة، ويحمل التاريخ شواهدًا على ذلك.
مركّزا على أن بناء الجسور مع المجتمع المدني، يحتاج لجهد كبير في طمأنتهم بعكس سلوكيات وأخلاق الإسلام، في ظل التصعيد المُمارس لشيطنة المسلمين، وفي ظل انتشار ثقافة الخوف من الآخر على الذات وذوبان الهوية فيه ،فهذا المجتمع، كما به حامل نزعة الكراهية ، به أيصًا الحليف والمُرحب بوجود الآخر.
هذا على مستوى الأفراد، أما على مستوى المؤسسات والمراكز، عليها معرفة أن هناك خللا في الخطاب، الذي يغيب عنه الفكر المدني للإسلام وبعده الحضاري، والتركيز على مايبني التعايش وفق المقاصد الشرعية.
الشاعر الحجازي أ. أحمد الشريف
كان حاضرًا ونصوصه لخلق استراحة، تُذهب رهق الفكر والسياسة.
فُتح المجال للمداخلات والأسئلة، وكان التفاعل رائعًا من الحضور مابين التعقيب والأسئلة، وقد حاولت دمجها في الفكرة الرئيسية أعلاه.
في ختام اللقاء قام أ. الحبيل بتكريم أ.حسن غيّة تقديرًا لما يقدّمه من خدمات جليلة للمجتمع المسلم، وكانت حاضرة السيدة ناتالي زوجته، بوصفها شريكة في هذا الحضور المجتمعي ورعاية جمعية الإغاثة الإنسانية.
كما تمّ الإعلان عن تأسيس صالون مونتريال الثقافي.
الخنساء