الحداثة الراديكالية وحياة المسلمين الزوجية

مهنا الحبيل

إن العبور إلى نجاة حياة الفرد ومن يعول، يحتاج الى عقل متوازن دقيق، حتى في حياتنا الاجتماعية، والذكاء في سياسة الأمور، أي توجيهها للمصالح المشتركة، وهو من طبيعة إدارة الخلافات الزوجية، فالقطيعةُ كل يُحسنها، أما التواصل وبقاء مصلحة الأسرة، فلا يُتقنها إلا من رشد أمره.

 وقبل ذلك لا بد من دعوة الشباب في العالم الإسلامي والمهجر، إلى مراجعة القيم الأصلية، في تحبيب الزواج، وفي مفاهيم شراكة المرأة والرجل، وفي الخروج من قصة الحداثة الراديكالية، التي تهدم منازلنا من الداخل، وخديعة أن عليَّ كشابة أو شاب يدخل لعالم الزوجية، أن أنظر إلى متعتي الشخصية المنفصلة بقسوة عن شريك الحياة، وأقيس مصالحها جيداً، لكي أقرر هل تستمر العلاقة الزوجية أم تنفصل. 

 فرحلتك مع الأسرة، هو سر سعادتك التي تتجاوز، عبور الأيام الممتعة، في اللذة الشخصية، إلى حياتك المطمئنة، التي تجد الشريك معك يصاحبك في مراحل العمر في شراكة تجد أثرها، حين يتقلب الزمن، وظروف المعيشة، ونوازل الدهر، ولذلك فهو هدف يحتاج إلى مناقشة، وتجاوز وتدبر، وتقدير المصلحة العليا دوماً.

       وهو يُشبه أحياناً المفاوضات السياسية بين الزوجين، وفي كل الأحوال فان إدارة الأسرة، هي سياسة اجتماعية، والمقصود أن يُسجّل الطرفان ويضمران مصالح الاستقرار، ويعززان طرحها في ضميرهم للمساعدة في مواصلة الاستقرار الماتع، فالأسرة يجب أن تبقي بقوة مركز الحب الذي لا يوجد مثله في غيرها.

       ومن خلال هذه السياسة المتحدة ومع مرور السنين، حين يستشعر كلٌ منهما أهمية تعزيز العلاقة، فان هذه السياسة تكون طبعاً بين الزوجين لمواصلة الشراكة، ويتعوّد كلٌ منهما على صاحبه، ويكون الأقدر في فهم شخصيته، ما داما متفقان بأنّ هناك إمكانية لنجاح الحياة الزوجية والسعادة، ببقاء الرابطة، وعبرها، مع وجود اختلافات، لكنّها خلافات تَترك مساحة للشراكة الزوجية السعيدة، بدل حالة طلاق أو انفصال تتعقّد فيها حياتَي الشريكين، وتتصاعد خلافاتهما ويكون الأطفال عنوان المعاناة.

       لقد لفت نظري أن الحزب الديمقراطي الأمريكي، في نكسته الأخيرة أمام الجمهوريين، طفق بعض كتله في ملاومة اللوبي الاجتماعي الأقوى في الأحزاب السياسية اللبرالية، والتي تنطلق مما يسمى باليسار الاجتماعي، واعتبر الديمقراطيون الغاضبون، أن تطرف المثلية المتوحشة، كان أحد أسباب الهزيمة المرة للحزب وسقوطه فريسة سهلة، بل ضعيفة القدرة، امام بلدوزر الرئيس الأمريكي العائد دونالد ترمب، وهناك قصصٌ أخرى في هذه السياسة الأمريكية، لكلا الحزبين تحتاج إلى تشريح، في دور كل منهما في انحطاط القيم الإنسانية في العالم.

       لكننا نقف عند لحظة المراجعة لأقوى هيئة سياسية في العالم، نشرت التوحش المثلي، عبر اللبرالية الاجتماعية في أمريكا الشمالية، ثم نتساءل أين حصيلة العالم من هذه الحملات المجرمة، على الأسرة في العالم الشمالي، وفي العالم الجنوبي الآخر، وتحديداً في حاضر العالم المسلم.

 فإن كانت الذات الغربية، وهي التي ترعرعت تحت الرأسمالية اللبرالية، قد انتفضت ضد هذا الموجة الشرسة من الدكتاتورية الثقافية، التي بُسطت قهراً على الأطفال، وعبر خيانة المنظومات الدولية، تم تعميمها على البشرية، فكيف بنا كمسلمين، وقد كنا أقوى حصن لحماية الفطرة في هذا الكوكب.

       فما هي مهمتنا اليوم لإعادة التصحيح المركزي، لكرامة الفرد في الأسرة، والخروج من وهم النرجسية المتطرفة، التي ولدت في أحضان الفردية الذاتية، في الفلسفة الغربية المعاصرة، وكان ما يحكمها هو مصالح الشخصانية الانفصالية واللذة الشهوانية، أيُّ روحٍ لا أخلاقية هيمنت على الكوكب في التاريخ الأخير للعالم؟

       وهذه الثقافة المتطرفة لها دعم شرس في مسارات أخرى، هيّئت للمثلية القهرية، ومنها نبذ فكرة الأسرة في المجتمع، وتكريه المرأة المسلمة لها، وتقديم روح الانفصال عن الحياة الفطرية، بأنها هي الأصل، وأنها ممكن أن تعوض مشاعر الفطرة الدافئة، والوحدة الاجتماعية الفاضلة، والتي تعينها في رحلة الحياة ونوائب الدهر، ب الام المنفصلة (single mother)، أو انها تندفع في حياتها الزوجية، نحو المقاصة المادية الشرسة في كل شؤون الحياة مع زوجها، وتطرح الانفصال في وجهه كخيار مفضل مطلق عند كل خلاف.

       وهذا يقابله بعض القصور، أو الخلل الفكري، بل والديني عند بعض الرجال، ولكن في المحصلة الأخيرة فإن روح الزواج التي جعله الله سكينة للناس، وسفينة عبور تحضن الطفولة، وروح الزوجين، بات يتحطم على صلف المادية الحديثة، التي تغزو ثقافة المرأة المسلمة في المهجر وحتى المشرق، وأجزم بثقة كبرى، وقد مكثت في هذه البحوث زمناً من عمري، أنهُ لا توجد ذات بشرية، أهدت للعالم دستوراً عظيماُ فاضلاً للحياة الزوجية، كرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.