الركن الغائب في المواجهة الكندية الأمريكية
مهنا الحبيل
مع ان مزايدة الرئيس الأمريكي على كندا، في قضية المخدرات تبدو سخيفة، إذ أن لديه في الحياة الأمريكية، وأرقام متعاطي المخدرات وضحاياهم ما يُسكته عن المزايدة، التي استغلها للضغط على كندا، لضمها للولايات المتحدة الامريكية حسب زعمه المتكرر، وهو ما صرح به رئيس الحكومة المنصرف جاستن ترودو، وأعلنها كمخاوف عملية من خطط ترمب لخنق كندا، أو كان الأمر متعلقاً، بتشديد العقوبات الضمنية على أوتاوا، حتى يستولي على أكبر غلة من الجار الشمالي، كما يفعل مع بقية العالم.
إلا أن هناك واقع سيء ومخيف على حياة الأطفال والبالغين، في انتشار المخدرات وكوارثها، التي تزداد مع سماح المقاطعات المختلفة، بالتعاطي والبيع لأنواع منها، والضحية هنا هو المجتمع الكندي كله، بكل تعدداته الدينية والقومية.
والإشكالية المشتركة في أمريكا الشمالية، هو أن هذه الرأسمالية في تشريع القوانين وفي الحياة السياسية في القارة، تتمدد حتى تكاد تسحق ما تبقى من قيم الروح وأخلاق الضمير، ومع وجود مقاومة من كنائس ومؤسسات تربوية دينية، تشمل المدارس الخاصة، إلا أن هذا التوحش يُهيمن على القانون الاجتماعي، فتسقط معادلة الروح من حياة الفرد.
أو تحول الى التعويض في القرب من (الرب) بتشريع البطش من الآخر، المختلف دينياً أو مصلحياً، وهو ما يُبشر به ترمب اليوم جهراً، حين يعلن صلواته من البيت الأبيض، باسم (رب) اليمين المتطرف، وهو نفس الإله الذي عناه زعيم الهنود الحمر سياتل دوامش، في خطبة الاستسلام الأخيرة التي قال فيها أن الرب الذي نعرفه ليس الإله الذي نباد باسمه في دينكم.
إذن هُدمت الروح الأخلاقية هنا، في معناها الإنساني الشامل، وفي فطرة الخلق وتضامنهم على قيم الفطرة، فلا اليسار ولا اليمين في أمريكا، تحكمهم قواعد قيم، وكليهما له شق من مسؤولية التصحّر العنيف لمشاعر الفرد، واضطراب السلوك، والصراع الاجتماعي بين مقومات الأسرة، عبر هدم الروح في سوق الجندر وكل ما أثخن به في جسم المجتمع، في حكم الديمقراطيين واللبراليين، أو في عودة اليمين المحتملة في كندا أو القائمة اليوم في أمريكا ترمب.
ولذلك نستدعى هنا رحلة التوازن القيمي، والحضور الروحي في الإسلام، ومرجعية الضمير المحتكم للفطرة التي تحتاجه حياة كل إنسان، وكان هذا السبب أبرز دوافع الداخلين في الإسلام، وخاصة من المجتمعات (البيضاء) في أوروبا وامريكا الشمالية.
وفي حين يتوسط مسجد تورونتو، قلب المدينة الكبرى الأبرز في جغرافيا كندا، والتي يمثل شارعها التجاري الضخم ومحيطها الرأسمالي النسخة المصغرة من نيويورك وناطحات السحاب فيهما، حتى أن دندس سكوير، يمثل النموذج المصغّر لمربع نيويورك (تايم سكوير) ترتد على المسجد إشكاليات الحياة الكندية الصعبة، في العالم الرأسمالي، ويُستدعى البعد الموازي لها في حماية القيم الأخلاقية للفرد والمجتمع.
فلا تهدأ قوافل المشردين من ادمان المخدرات، التي يدخل بعضهم المسجد عنوة، وبعضهم مسلمين، تاهت بهم السبل وغرقوا في عالم الملذات الخادعة، أو الظروف الشرسة، فتسقط أبدانهم وأرواحهم، فهل هذا يعني أن عالمنا في الشرق المسلم يقدم نموذجاً روحياً واخلاقياً للفرد، ينعكس على أمانته ونظافته مع الناس، أو أن كل المؤسسات الإسلامية في أمريكا الشمالية تمثل معاهد نزيهة بين المسلمين ذاتهم وبينهم وبين غيرهم، أو أن سلوك المسلمين يعكس بالضرورة الروح الأخلاقية لرسالة نبيهم، صلى الله عليه وسلم؟
نقول بوضوح كلا..
لكن هذا البعد الروحي والأخلاقي، الذي لا نطرحه فقط من خلال الرسالة الإسلامية الغنية بالقيم الأخلاقية، ولكن بمشتركات القيم الكبرى لسكان العالم الجديد، يمثل المسجد فيها أيقونة منهج خاص، ومرجعية مختلفة، عبرها يؤسس الفارق، لأن الميزان هنا ليس الكسب المادي المتوحش، ولا إبادة جزء من شعوب الأرض لصالح العجلة الرأسمالية، ولا اضطهاد انسان أمريكا الشمالية اليوم، بما فيهم الإنسان الأبيض (الغربي)، الذي تحرقه أيضاً مصالح الشركات ورجال الأعمال الفاسدين، حتى لو قُنّن فسادهم وأدخل في نظام الحياة السياسية في أمريكا الشمالية، لن تخرج أمريكا الشمالية من أزمتها.
وحتى مارك كارني رئيس الحكومة المكلف الجديد من الحزب اللبرالي الحاكم، يتحدث عن الحل تجاه تهديدات ترمب في الخروج بصفقة غير مجحفة ولا مضرة مع ادارة ترمب، القضية هنا فواتير وصفقات، يُهدد بها ترمب بقية العالم، فأين مصالح الفرد وقيم الأسرة فيها!
لذلك كنا نقول منذ بدأ رحلتنا الكندية، أن تَعرّف أمريكا الشمالية كمجتمع قبل الدولة، على هذا الفارق الروحي والأخلاقي والقيمي في كل شؤون الحياة، لا يزال باهتاً ومغلقةً دونه الأبواب، حتى لو أدرك بعض الأمريكيين الشماليين روح الإسلام واستقر في ضميرهم، إلا أن تلك الفلسفة التي بَعثت هذا الضمير لا تزال غائبة.
السياحة والنظافة والحضارة مهنا الحبيل بدت لي أزمير محطة مهمة لبدأ الرحلة التركية البرية، كان…
السياحة الفكرية في تركيا مهنا الحبيل تأخرت رحلتي السياحية بين المدن التركية عشرة أعوام، حيث…
الأخلاق والعقوبة بين برنارد ماندفيل والفاروق عمر مهنا الحبيل يستشكل البعض في توسيع رؤية المقاصد…
سؤال الدولة الإسلامي والاستئناف الفكري مهنا الحبيل وقفنا في إعادة تحرير النموذج الماليزي على سؤال…
أبو بكر الصديق في عالمنا اليوم مهنا الحبيل إن العودة للحياة الإسلامية الأولى، وخاصة الصدر…
المرجع الأخلاقي للعالم الجديد مهنا الحبيل إن المقياس الذي يعكس بدقة، حقيقة الكوارث التي يعيشها…