الطريق الجديد لمفهوم الجامعة الإسلامية
مهنا الحبيل
5/6/2022
يُشكل على الكثير فهم السياق الذي إنطلقت فيه فكرة الجامعة الإسلامية، بين زمن السلطان عبد الحميد الثاني وما قبله، وسبب الإشكال يتضح في كتاب الأمير شكيب أرسلان المهم سيرة ذاتية، القصة هنا هي أن تبني مشروع الجامعة الإسلامية من قبل السلطان عبد الحميد، كان لاحقاً على اشتعال الفكرة بين علماء المسلمين العرب وغير العرب، فقد كان الجدل حولها يعتمد على 3 حقائق:
الأول: الوهن الشديد في جسم الأمة الإسلامية، والضعف الذي توسع في حاضر العالم الإسلامي، فهيئت هشاشتها لأوروبا الاستعمارية باقتطاع مناطق منه قبل سقوط الدولة العثمانية، هذا الوهن كان متمكناً من خلال الدولة العثمانية ذاتها، التي تقاذفتها المصالح الغربية، قبل أن تُلقى في أُتون الصراع المهلك في الحرب العالمية الأولى، وتُدرج ضمن تركات الحرب.
الثاني: قبل كارثة توريط العثمانيين والذي ترتب عليه سقوط مئات الآلاف من المجندّين المسلمين، الذين بعثت بهم الولايات المتعددة بموجب النفير السلطاني لنصرة الألمان بقيادة هتلر، فقد كانت هناك ضغوط أوربية مباشرة على الأستانة ترتب عليها قرارات، ساهمت في تمكن الإنجليز والفرنسيين.
فعلى سبيل المثال موقف السلطان عبد الحميد ضد الأزهر، وثورة الزعيم الوطني المصري أحمد عرابي، وتأييد السلطان لموقف التاج البريطاني والخديوي، وكان مبرر ذلك بقاء اسم مصر في تبعية للدولة العثمانية، رغم أنها كانت مسلوخة عملياً عن مركزية الدولة، ويُقاس على ذلك مناطق عدة من الوطن العربي وغيره.
ثالثاُ: لقد كان هناك توافق بين خطين من علماء المسلمين في أهمية، قيام الجامعة الإسلامية كرابطة تجمع أقاليم المسلمين المرتبطة بحدود الدولة العثمانية وبالأقليات الكبرى كالهند:
الخط الأول مثله العلماء النهضويون الذين أدركوا أن سر تخلف الأمة وضعفها، يكمن أولاً في تعاظم الجهل وإهمال سنن الله الكونية في تقدم الأمم، وضعف القوة السياسة المركزية، وغياب أي مساحة لتنظيم الحقوق الشعبية والسياسية، وشراكة الولايات في مستقبل الأمة الجمعي، وفي تنظيم شؤونها ورابطتها القومية الخاصة، وأقليات كل قومية دون أن تنفصل عن جامعة الإسلام الكبرى.
أما الخط الثاني فكان يُمثله العلماء المحافظون، فزعاً من مستقبل الأمة بعد سقوط الرابط السياسي، واقتسام العالم الصليبي الجديد هذه الجغرافيا، وإسقاط الضمير الديني للأمة.
كلا التوجهين كان يسعى صادقاً لإعادة بعث الحياة الأممية، لكنها حياة إصلاحية رشيدة تقوّم الدولة العثمانية، لكن الفريق الأول كان يعلم، ألا حيلة لتحويل المشروع إلى قوة فارقة، دون إصلاحات مركزية تتفق مع هدي الشريعة الإسلامية وفقه عدالة الراشدين، ورد حقوق الأمة السياسية وغيرها.
لكن الذي جرى وهو موثّق في كتاب شكيب أرسلان، وهو المحسوب على السلطان عبد الحميد، هو أن الأستانة أخذت مسمى المشروع وحولته إلى برنامج دعائي تنفيذي دون أي إصلاحات، وإنما إعادة تدويره لاستدعاء الولاء المطلق للسلطان وقراراته السياسية ضد الأقاليم وقرار الحروب، دون أي مساحة حرية أو نقد أو تطوير إصلاحي لمؤسسات الدولة، ولا معالجة لأزمة التتريك، فانهار المشروع لهذا السبب، وبأمرٍ آخر وهو أن التحرك كان متأخراً جداً، بناءً على تمكن السرطان السياسي، ودور الغرب المستثمر للفساد والبيروقراطية الضخمة في جسم السلطنة.
ولقد كان المشروع المقابل هو الفكرة القومية العربية، بدعم فرنسي وإنجليزي مؤكد، وهي مسألة لا تعني أن موقف أو فكرة القوميين العرب تندرج في إطار العمالة بالضرورة، ولا تُلغي جهود الشرفاء منهم الإصلاحية والنضالية في وجه المستعمرين لاحقاً، ولكننا نتحدث عن زاوية التوظيف الغربي للفكرة.
وتحويلها لمشروع سياسي ايدلوجي يشمل كل قطر عربي، ويجمع العرب في مظلة قومية مشتركة تُقصي الإسلام بقوة، وتطعن فيه ضمناً أو مباشرةً، حينها كانت القومية التركية العقائدية، قد تمكنت من الجسد العثماني المركزي، وكان آثار مشروعها الثقافي قد توغل في سياسات السلطنة، دون أن يُعلن ذلك كمشروع، ولكن سياسات التتريك اصطدمت بمشاعر العرب من المسلمين وغير المسلمين، لكنها أخذت بعداً مسيحياً بسبب مذابح جمال باشا السفاح، الذي شارك بعد ذلك في قيادة التمرد القومي الطوراني على السلطنة ذاتها.
وهي قضية مهمة وحسّاسة وخطرة للغاية، يفهم من خلالها عودة الروح القومية اليوم، في شرائح عدة من الشعب التركي، تشمل أوساط من حزب العدالة، فضلاً عن كونها المحرك الأول لعقيدة المصالح القومية للدولة التركية الحديثة، فنشأةُ هذه الروح ليست وليدة للدولة الحديثة التي أسسها كمال أتاتورك وإنما سابق لها.