الطلاق المبكر في الخليج.. محاولة للإنقاذ

مهنا الحبيل

لفت نظري إطلاق وزارة التنمية القطرية، برنامجاً لافتاّ لمواجهة أحد أهم عوامل تصدع المجتمعات انسانياً، وخاصة لدينا في الخليج العربي، الذي يشكو من فشو هذه الظاهرة وهي الطلاق، دخلتُ على موقع الوزارة، ورأيتُ أقسام ومدارات المشروع التأهيلي المتعددة، الذي من الواضح أنهُ خضع لدراسات متخصصة، وفريق مؤهل.

 وبالتالي فإن المبادرة بهذه الرؤية والعبور إلى المشروع التنفيذي لها، وهي برنامج (سنة أولى زواج) يستحق التقدير، دون أن يعني ذلك التزكية المطلقة قبل النظر في النتيجة، لكن مجرد توجيه الاهتمام لمعالجة هذا الصدع المروع، هو بحد ذاته نموذج مهم لمحاولة الإنقاذ، عبر هذه المبادرة التي ندعو لها بالنجاح، وأن تُستنسخ عربياً وليس خليجياً وحسب. 

ولعلنا نُدرج ما ذكرته بعض الدراسات العربية، في عوامل الطلاق إلى ثلاث مسارات مهمة:

الأول: وهو الأكثر شيوعا بحسب الإحصاءات حداثة الأزواج في التجربة الزوجية، ومتطلباتها، والثاني: السلوك الخاطئ في التعامل أو الأطباع الحادة لأحد الزوجين، أو كليهما، والثالث: الضغوط الاجتماعية والحياتية، التي تهاجم العش الزوجي أو تحيط به لعوامل مادية أو بشرية، مع أن كلا الزوجين يتمتعان بصفات جيدة أو مقبولة، للتعامل بالأخلاقيات العامة، بل وفي لغة التفاهم المشترك.

 لكن الاستجابة إلى عوامل الضغط، تجعل شريكي الحياة في موقع فك الكماشة، خاصة إذا انتظر كليهما الآخر للتقدم بالخطوة التصالحية، لتجاوز المأزق ولم يبادر هو، فتتحول المشكلة إلى أزمة.

       وسأبدأ بالمسار الثالث، إنّ مفهوم الزواج هو عقد شراكة إنسانية كبرى، أجّل الله عظمته وجعله سر السكن للنفس والحياة الطيبة، وأفرد مهدداته في الطلاق بضبطٍ قانوني، بحيث يجعل سورة من القرآن تتحدث عن تفاصيله، مع تُركّز نصوص الوحيين على عِظم كارثة الانفصال والتحذير منه، والتبغيض فيه إلى آخر حدٍ ممكن.

 ولكن مع ذلك وخلافاً للفكرة الأرثوذكسية، فهو يفتح فرصة لإنسانية الفرد امرأة ورجل ليعيش حياة استئناف أُخرى، ولا يربطهما برابط جبري يقضي على حياة أي من الزوجين، ويلغي الحياة المشتركة المطمئنة، وكل مميزاتها باسم استكمال مسمى الزواج، الذي اضحى بين فردين عدائيين لبعضهما، فيفقدون فرص استئناف الحياة تحت جبرية الإلزام دون أي حب أو ود ولا حتى مصالح مشتركة.

       أردنا أن نبين هذه القضية، حتى لا يختلط الأمر بحيث أن يُصار إلى التحريم العملي للطلاق، فلولا مشروعيته وضرورياته للحياة لبعض الحالات لم يُشرّع، ويخطئ البعض حين يُعقّد كل حالات الخلع والطلاق دون استثناء، خاصة إذا كانت المرأة في محل اعتداء دائم عاشته لسنوات مع زوج عنيف سفيه، كما يخطئ البيت وأسرتي الزوجين والمحيط الاجتماعي خطأً فادحاً، حين يتساهلون مع انتشار قضايا الطلاق أو الانفصال الأولي.

 فالأصل أن فرص الاستئناف بين الزوجين راجحة جداً، وتشجيع إمكانية إدارة خلافاتهم لتجاوز السلوك المرفوض، أو الطبع السلبي، مقابل ايجابيات تطرأ أو تُكتشف أو تُقدّر بينهما، فتكون عامل جذب ومساعد لاستمرار الحياة الزوجية، فيكتشف الأهل بعد حين أنهم قد اخطئوا بتشجيع هذا الطلاق، إمّا من خلال مراجعة المُطلّقة أو المُطلّق لسجل حياته، بعد فوات الأوان.

       أو من خلال ثبات الحالة الزوجية ونجاحها، وما يستبين للزوجين في لحظات السعادة والانسجام بعد مرور الأزمة، بأن ما كان يجري في خواطرهم من مواجهة عدائية نفسية، كانت تَصوّراً وهمياً، وليس حقيقة حتمية، وهاهما قد تجاوزا الأزمة وحفظوا أسرتهم وأطفالهم ومستقبلهم الاجتماعي الناجح وهذا ما ندفع له عبر التبشير بروح التريث والمصابرة بين الزوجين.

       إن أحد العوامل المهمة لتجاوز الدفع الشديد، للتأزم بين الزوجين تتلخص في مقدمة، وثلاثة عناصر مهمة وهي ضرورة لتجاوز المشاكل الزوجية وبالتالي حماية البيت.

 أمّا المقدمة: فهي الخروج من ثنائية الخطأ عليه أم عليها، وخاصة في مسار أزمات الزوجين ذوي التفاهم سابقاً، أي اللذان عبرت عليهم بعض التجارب، وادركوا تأثير الضغط النفسي على موقفيهما، وهذا ليس هروباً من المسئولية، لكن تقديراً حقيقياً للضغوط الاجتماعية، فإيمان الزوجين بأن بعض الضغوطات حتى خارج المنزل أو احتياجات العصر السريعة، أو إشكاليات العلائق الإنسانية المتعددة، في محيط الزوجين العملي والاجتماعي.

       كلها عناصر تجعل كلا الزوجين، يدرك أنّ هناك ضغوط على صاحبه وليست المسألة تطوعاً لاستفزاز الشريك الزوجي، أو صراعاً لتحطيم بيت السكينة الرباني، حتى لو بدا ظاهريا كذلك، فان هناك دوافع صنعت هذه الخلفية، وضيق صدرٍ وتوتر، ينبغي أن يُعامل برفق بينهما وبتجاوز وكرم شخصي، حتى تنداح تلك الضغوط وتخلق فرص الحوار والمعالجة، فهنا نخرج من معضلة تعليق سبب الأزمة، عليه أو عليها، مع وجود تفاعل سلبي مؤكد أدى لاندلاع أول مشكلة الطلاق، فهنا يتم تحييد الاتهام المتبادل إلى مسببات الخطأ الذي يأتي بعده الإعتذار.