العالم الشمالي والوجود الكوني
مهنا الحبيل
دوماً كان يستعيض نظام الحداثة (الكوني) بالطبيعة، لمحاولة تغطية الانكشاف الضخم، لواقع الحياة الإنسانية، ومنذ الثورة الصناعية تتالت مآلات مأساوية حزينة، وتصاعدت دوراتها في قضمِ أرض ومصالح الذات البشرية، خلال دورات التجديد للبعث الرأسمالي الجديد.
وأثر هذه العواصف كان يصل إلى عالم الشمال في هذا الكون المادي، فتنطلق الدعوات وتتالى التحركات، لوقف خسائر الإنسان في صلف المادية الشرسة، أحزاب الخضر، جماعات حماية البيئة، قوانين الحفاظ على الطقس، والحياة الحيوانية، تُشرّع في مركز العالم الشمالي أو يُدعا لها من الأمم المتحدة.
ومن السخرية أن هذه الدعوات تُصدّر وتعلن ثقافتها، من عواصم الثورة الرأسمالية، أو الحداثة الصناعية، التي انفجرت بعد تقريرات الفلسفة الغربية الأخيرة، وهي ذاتها إذ تُشرّع أو تتصارع في تطبيق هذه النظم، فإن الشق الجنوبي الآخر من العالم، تُحوّل إليه مزبلة العالم الحديث، فيكون مقبرة مخلفاته النووية، أو مدخنة التصنيع الملوث الضخم للعالم الجنوبي، بل وحتى جزر تجميع النفايات وإعادة فرزها يحال إلى جغرافيته البائسة.
هذا العالم الرأسمالي، في الكون الصناعي الضخم، أضحى اليوم يشمل الصين وروسيا الأرثوذكسية، في إعادة التدوير لنفاياته في الجنوب على حسب مصالحه.
ورغم الأصوات المحتجة من داخل المنظومة الشمالية الغربية، لحماية البيئة، غير أن عجلة التدمير لا تتوقف، انظر هنا في الزاوية الكونية، إلى الطبيعة الأخرى التي تُجرّف العالم، وتهدم أسس النشأة الأولى للقصة الإنسانية، هذه النشأةُ متعلقة بأقدس ما اعتقدته البشرية في حياتها الفطرية، وأنت تعجب من أن هذا المصطلح تحرص عليه الإنسانوية الغربية، في عالم الحيوان، ولكنها تدمره في عالم الإنسان.
إن الأسرة والفطرة، هي سر الوجود الخلقي، والحفاظ عليها في إطار أخلاقي، يحمي ذاتها، الزوجُ والزوجة والطفولة، هي من ذالك التاريخ القديم المتوارث، الذي استشعرت بركته الإنسانية، وكانت تحيل ذالك الى الله، أو الميراث الطبيعي المقدس، الذي يعمق الإيمان في الذات البشرية، وهي ترى هذه الطبيعة مُحبة لها حريصة عليها، دون أي مصالح لها، فترقب هذه البركة وتنظر إلى ما وراء الطبيعة فيها.
فمن يحركها من غرس قيمها فينا، ورعى أطفالنا عبرها؟
ورغم الدلالة في وجود خالق عليم حكيم رحيم، إلا أن جدل الصراع بين النفس وهواها، انحرف بها إلى تحويل قدرة الإله، وحضوره في النفس البشرية، إلى هذه الطبيعة، أو الى الغيب المطلق، غيب يقيني يتحسّسه الإنسان، ويُحركه سواءً آمن به أو جحده، المهم هنا أن هذه الروح الفطرية هي سر بقاء، كنوز الأرض من الطبيعة الأرضية، أو في منظومة الأخلاق الفطرية، التي تتحد عليها الأُسرة، فأين هي اليوم في عالم الغرب (الكوني)؟
إنها مركز الحرب والاستهداف، فتفكيك الأسرة ذاتها، وهي المركز الوجودي الذي تتحد عليه بقية الطبيعة، وتخضع لخدمته، حتى لو تمردت على ما اعتاد عليه، من بركان أو فيضان، وكأنه تنبيه عنيف، يُخرج الناس من صمت الجهل، ومن خطايا الفساد على البيئة والإنسان المظلوم، لكن هذه الطبيعة تعود لترعى البشرية من جديد.
ولولا تسخير الله لها، لما بقي البشر، رغم كل صناعاتهم وتحديثاتهم، ومع ذالك فهي تُهدم اليوم، وأضحت فلسفة النزوة لميشيل فوكو، مبادئ وقوانين تسعى بين الأمم لإسقاط الطبيعة في الأسرة وفي الطفولة، ونقض سر التكامل بين الذكر والأنثى.
فماذا بقي هنا من رؤية كونية؟
إن الغرب يهدم بشراسة علاقة الذات البشرية بالكون، وينزعه من روح الرعاية، ويُلقي به بقوة في سوق التسليع الشرس للحياة المعاصرة، التي عزل فيها الروح، ثم أسقط الأخلاق، ثم عزل ذات الإنسان نفسه عن بقية العالم الكوني، إنه يمثل ذالك العقل التائه، الذي يريد أن يجمع كل المحيط حوله، في حفرة من الأرض تضمن دفئه قبل أن يأتيه الشتاء.
فلا الحفرة قادرة على الاستيعاب، ولا المستودع مهيئ لتعيش جمهورية المزرعة فيه، فهو نموذج لو رآه الناس، في فلاح يحرث أرضه، ويرعى أبقاره، ليجمعها في حفرة، أو مخزن مصمت، لأتهموه بالجنون، فكيف لهذا الكون أن يُدفن في أرض الحداثة؟
لقد فصلت الرؤية الغربية بعنف، هذه الأرض عن سرها الكوني، وعلاقتها معه في روحه التي تسعى بين جوارحه، وتتناغم مع حواسه، وعزلت سر العلاقة التي تفسر الاندماج المادي، ثم قطعت الصلة في منظومة الكون الفلكي، وقزمتها عند فكرة خلية مادية أيضا، انفجرت كونياً، دون أي معنى لتشكل المجرات، وخصوصية الكوكب الأرضي ببيئة خُلقت لتُحيى الذات البشرية فيها.
وكلما صدمها العلم الحقيقي، فرت منه وصدت عنه، لتهدم سر وجودها، وقانون الأخلاق فيها وبينها وبين الكون، فأضحت الخلاصة اليقينية، أن ليس للغرب رؤية كونية، وإنما رؤية سجنٍ ماديٍ عن الكون.
هل توقع إدوارد سعيد هولوكوست غزة؟ مهنا الحبيل في 16 من يناير 2009 عقدت في…
القانون الاجتماعي والدين والعالم الأخير مهنا الحبيل يدور عنوان المقال عن المشروع الفكري الأخير الذي…
العودة لساعة الصفر عند بشار الأسد مهنا الحبيل يكتسب هذا الموضوع أهمية بالغة مع حلقة…
الحداثة الراديكالية وحياة المسلمين الزوجية مهنا الحبيل إن العبور إلى نجاة حياة الفرد ومن يعول،…
أحمد الشرع مع جو حطاب مهنا الحبيل برزت شخصية القائد أحمد الشرع، بجاذبية حيوية للسوريين…
بين عقل الأكوان وعقل القرآن مهنا الحبيل تأمل في توجيهات النص القرآني جيداً، في كل…