Categories: مواد فكرية

المؤتمر العالمي الكوني2050م

استأنفت أوروبا الأخيرة حياتها السياسية بعد هيمنة الحداثة، وكل الأحزاب ذات الصفة الاشتراكية العامة باتت ضمن خارطة المركزية الغربية، وتضاءلت الروح اليسارية فيها منذ منتصف السبعينيات.

لكن المهم في روح جورج أوريل- الروائي المبدع الذي رحل عنا منتصف القرن الماضي- في مزرعة الحيوان هو البحث عن قصة الرؤية الأخلاقية الأخرى للعالم، التي هُزمت الفكرة اليسارية فيها، في شقين، الأول القهر الأوربي السياسي، واستقطاب الشعوب الغربية، إلى عالم الليبرالية الأخاذ تحت ضوء الأنوار الرأسمالية الصاخبة، والثاني هو تحويل الأيديولوجية اليسارية في النسخة الأخيرة إلى قوة اجتماعية، أكبر همّها هو إعادة تشكيل هوية الجندر الفردي، وتفكيك منظومة الأُسرة ونقض بيولوجية الذكر والأُنثى؛ فتحولت الكتلة اليسارية إلى ذراع يستخدمه العالم الرأسمالي، ونحن نتحدث عن الأثر الأكثر حضوراً، في خطاب الرؤية المادية (الغربية) عن الكون، لا في بقاء بعض الكفاح اليساري الحقوقي.

بل إن منظومة الأمم المتحدة ذاتها، الموظفة عبر القوة الدولية الكبرى في مجلس الأمن، وبالذات في الدول الغربية، تعيد تصدير هذا اليسار الاجتماعي لإخضاع الدول النامية لبرامجها القهرية، حيثُ تُدمج أيديولوجيته في خطاب الرأسمالية الإعلامية، وخاصة في السوشل ميديا، ليُغيّر عقل الذات الجنوبية، فهو غسيل دماغ استبدل بالنازية الحداثةَ الأخيرة، فهل أنقذت هذه الأسطورة القائمة عالم البشرية الكوني؟

وقد يُطرح اليوم التساؤل القديم: ما هي علاقة الإسلام بأصول المنظومة اليسارية؟ وهو سؤال يحتاج إلى تفصيل؛ فأي منظومات نقصد؟ وما هي تلك الروح في الفكرة اليسارية التي تناولها بعض مفكري الإسلام، بل تقاطع معها؟

والحقيقة أن الأمر هنا متعلق ابتداءً بتلك الرؤية اليسارية، التي تعلن شكوكها في هيمنة فلسفة العالم الغربي، وإطلاق شرعية التصرف والعبث والابتزاز، في مزارع (الحيوان) التي تمثل العالم الجنوبي. وأوريل قطعاً لم يكن يقصد- وفقاً لسيرة حياته ونماذجه- حكاية خيالية عن كوكب آخر، بل حال الأرض التي نعيش فيها.

وهنا، فإن مركزية المقاومة الفلسفية تفرض ابتداءً تمرداً على شروط الأكاديمية الغربية، وهي القاعدة الأولى للفلسفة الأخلاقية الإسلامية في رفض شروط القوة على العقل المتحرر، هذا التحرر تقلص في المنظومة اليسارية العالمية، ولكن قاعدته أعاد طرحها فلاسفة مسلمون في منظومة الكفاح الإسلامي، التي تقاطعت نسبياً مع اليسار العالمي.

 وكان هناك تقارب مع الرؤية الإسلامية في مشروع مالكوم إكس، الذي دعا إلى إعطاء الأمريكيين الأفارقة حق الحكم الفدرالي في الولايات الجنوبية الأمريكية، كجزء من سداد فواتير الإبادة التي مارسها الرجل الأبيض.. كما هي تقاطعات فرانز فانون مع الجهاد الجزائري، ونماذج أخرى.

وكان من مصلحة الراعي للشيوعية العالمية هذا التقاطع الإسلامي، غير أن فشل المنظومة الشيوعية ذاتها، وتحول المشروع الاقتصادي في الصين وروسيا إلى رأسمالية جديدة، أسقط حتى مساحة التقاطع. ومع ذلك كله، فإن منظومة الأساس الإسلامي للرؤية الكونية متباينة عن العقيدة اليسارية في ديالكتيك الإلحاد العلمي، والتي تقارب في أصولها الإلحاد الليبرالي.. ومن الملفت أن بقية قيم اليسار العليا للإنسانية، التي دفنها اليسار الاجتماعي، أبرز من يمثلها اليوم فكرةُ الإسلام العالمي.

إذن، نحن في إعادة فرز وعرض المستقبل العالمي قد وجدنا على الأرض فراغاً هائلاً لِمَا يقابل الكولونيالية الجديدة، التي وصلت إلى مستويات تسليع شامل للإنسان وأطفاله، وإضرارٍ مهول بالأرض والبيئة في القرن الجديد- ونحن لا

 نزال في الربع الأول منه- يوازي ضررها في القرن العشرين.

نستذكر هنا بعض المحاولات، التي ناضلت في سبيلها كوادر من العالم الجنوبي أو من المتمردين الثوار على المركز الشمالي، من بعد رحيل تشي غيفارا، تحولت إلى ما يشبه الخطاب الأممي؛ فقصة مالكوم إكس ذاته في حصاره ومن ثم تصفيته- وإن كان مصلحة قومية أمريكية للرجل الأبيض- فيها بعد أممي كولونيالي.

 وهي كذلك في رحلة المهدي بن بركة، المناضل المغربي اليساري، الذي قررت باريس تصفيته حين بدأ العبور إلى تفكير تأسيس بسيط، يعيد الحق لتمرد كوني جديد عبر تحالف جنوب الكوكب، ولم تكن تصفيته مرتهنة- كما أشارت لذلك بعض الوثائق- بالمخزن المغربي، بل كانت قراراً أكبر من واقع المغرب، والكفاح الإصلاحي في سبيله، وإن تقاطع كلا الأمرين لصالح باريس.

 وهو ما يطرح لنا سؤال العجز الكبير أمام خسائر العالم الكبرى وتهديد إنسانه، وما تمثله ثورة الزحف المتواصلة المهاجرة إلى الشمال اليوم.

 في حين ترتد الحالة السياسية الفكرية في الغرب إلى نقض دستورها ومنظومتها الحقوقية لمنع تدفق اللاجئين، مذكرة بذاتها وتاريخها القديم، وأن تلكم الرؤية المادية للكون- حتى في شقها الحقوقي- قد صُنعت للرجل الأبيض فقط، وأن تسلل الجنوبيين إلى أرض الشمال، يحتاج إلى مواجهة جديدة ليست حكراً على جغرافيا الجنوب، ولكن في عالم الشمال ذاته.

إذن، هناك إعلان فشل تاريخي للرؤية الغربية المزعومة لصالح الكون الإنساني، فماذا لدى المسلمين من رؤية تصحيحية مختلفة لو دعوا إلى المؤتمر العالمي للبحث عن المخرج الكوني 2050م؟ أهي قراءة خيال أم رحلة فلسفة مختلفة للإنسان تستشرف المستقبل؟

mohana63

Recent Posts

عقل الجزائر..مالك بن نبي

عقل الجزائر.. مالك بن نبي مهنا الحبيل خاض مالك بن نبي معارك كبرى، اشتبك فيها…

3 أيام ago

التاريخ الروماني العشائري

التاريخ الروماني العشائري مهنا الحبيل أن هذا الشعب (روما) العظيم (مع كثير) من سوء استعمال…

أسبوع واحد ago

مزرعة الحيوان..البحث عن الكون الآخر

مزرعة الحيوان.. البحث عن الكون الآخر مهنا الحبيل حاول (إريك آرثر بلير) جورج أوريل عبر…

3 أسابيع ago

سؤال الهجرة المعاكسة بعد الانقلاب اليميني

سؤال الهجرة المعاكسة بعد الانقلاب اليميني مهنا الحبيل تثبت التوجهات القانونية والسياسية الأخيرة في أوروبا،…

3 أسابيع ago

مع الهمجية ضد التمدن

مع الهمجية ضد التمدن مهنا الحبيل يراوح روسو نظرته النقدية الصارمة للتمدن مقابل التبسط، والفلاحة…

3 أسابيع ago

صوتُ غزةِ المقهور بين الشرق والغرب

صوتُ غزة المقهور بين الشرق والغرب مهنا الحبيل كان هناك صوت مرتفع ومزاحم بشدة، في…

شهر واحد ago