مهنا الحبيل
16/7/2023
لقد حركت الأزمة الأخيرة، في فرض التشدد المثلي على المجتمع الكندي، الروح الأخلاقية المشتركة، التي يؤمن بها المسلمون والمسيحيون، وغيرهم من اتباع الديانات والمذاهب، وهو ما أثار سؤال القطيعة غير المبررة بين نشطاء مسلمين ومسيحيين، أين هي منصة الحوار والتعاضد الاخلاقي الغائبة، في بلد يرفع شعار القيم والتعايش، كيف يبدأ تفعيل الخيار الإنساني الثالث.
وحين نظّم بعض المسلمين في كندا فعاليات الاحتجاج، في حملة دفاع عبر وسائط قانونية، لرفض القهر المثلي على أولادهم، وبالذات فرضه على طلبة التعليم العام، قفزت هذه الفعاليات، بصورة لم تُسبق في ضمير الأُسر المسيحية، وتجد ذلك واضحاً جلياً من خلال التعليقات الحاشدة، التي تصل بالآلاف على الفيديوهات المنشورة، والغالبية الساحقة لهذه التعليقات من المسيحيين، تحيّي هذا الصمود من المسلمين، وأنها تنظر بارتياح لهذه الموجة الأخلاقية للدفاع عن الطفولة، والتي ضعفت في الأوساط المسيحية.
هذا البعد المشترك حرك الضمير الوطني الأخلاقي، لسؤال التحالف الغائب لحماية آخر قلاع الإنسانية وهم الأطفال ونشأتهم الحرة، السالمة من التدخل والاضطراب والزج بها، في سؤال الذات الغريب، وتعمّد طرحه على الطفل وضخه عليه في كل بيئة، حتى يصل الى التدخل الهرموني أو الجراحي، أو يعيش في أزمة مع والديه.
ولم يكن لهذا الأمر أن يقع في ضميره، ولا يَخترق صفوة حياته، دون أن يُشعل المسرح حوله بحرائق الصخب، التي تُبعثِرُ نفسيته ووجدانه، فيما تركز هذه الحملات، على اختطافه من حضن والديه، ومن رأيهم ورعايتهم الفطرية له، فيُنزع القلب المخلص، ويُستبدل بجماعات من الأخصائيين والموجهين المستأجرين أو المؤدلجين، ليشعلوا فيه صراع الذات.
ولما كل هذا وكيف استُدعي؟
لا شيء أبداً يبرر ذلك فهذا الطرح يُفرض على عالم الطفولة، دون أن يشتكي الطفل أو الفتى، حتى لو كانت الطفولة مستقرة بين والديها، فلم قفزت هذه الحالة وصُنع منها ظاهرة عالمية، تُسيّس كل يوم؟
كل هذا لا يُلغي حقيقة أن هناك نزعة سلوك جنساني شاذ، طرأ في تاريخ العالم، فكانت مساحة حصولها كانحراف ممارسة حتى في البيئات المسلمة، أو شعور جاذبية نحو الآخر المماثل، له نظريته الطبية في المعالجة معروفة منذ عقود.
وهو أمر مختلف عن فرض هذه المشاعر أو السلوك كجندر جديد، يُطور اليوم ترويجه، فأصبح يُكرّس لأي شعور عارض يعيشه الطفل أو البالغ، بناء على أزمة نفسية أو حيرة، فتشرع قوانين لحصاره داخلها، وحمل المجتمع على تطبيقها.
وأمام هذا الحوار الذي بدأ تحضيره، من نشطاء مسلمين ومسيحيين، تحديات كبيرة:
أولاً: أن الجميع يعرف مساحة الخلاف، والتدافع السياسي في قضايا أخرى وفي مفاهيم متعددة، وبالتالي القياس هنا على وحدة الموقف والقيم المشتركة فقط، وأهمية تحييد هذه المنصة عن تدخلات الحزبين الرئيسيين وغيرهما، قدر الاستطاعة، والتأكيد على أنه حراك لمجتمع مدني مشترك في قيم موحدة.
والثاني: أنه لا اليسار الاجتماعي المتطرف الذي يتحد مع الحزب اللبرالي، ولا اليمين المتطرف المنضوي تحت الحزب المحافظ، والذي يرى القطيعة والمواجهة العدمية مع المسلمين، شركاء صالحون.
ولكن هناك حشوداً مجتمعية وكنائس وشخصيات ثقافية، من اليمين وحتى من اليسار (المعتدل)، القطيعة معهم في كندا كان خطيئة بالغة.
وفي فقهنا الإسلامي هذه القطيعة، وعدم مد الجسور، تضييع لوسيطة عظمى تساعد في تحقيق اندماج وطني، نحن نحدد معالمه عبر قيمنا ولا يُفرض علينا، ونشترك مع الآخرين فيه دولةً ومجتمعاً في إطار دستوري، نحترم فيه من يخالفنا، والقانون المنظم، دون أن نلزم بتبني فكره وفلسفته، ولدينا كما غيرنا حق التدافع الحقوقي حتى مع القوانين النافذة، فهنا معيار المواطنة والإنسانية الحرة.
وتحضرني كلمة تاريخية لمالكوم إكس، يصف فيها توجه الشباب الأمريكي (الأبيض) لمنصاته، وتأثرهم بمظالم الإنسان الأمريكي الافريقي، حين سألوه اين مقعدنا معك، فأمتنع عن ضمهم بناء على فكرته المغلوطة المتأثرة بأليجا محمد قبل أن يصححها، ويعلن في مذكراته أنه مدين لهم بالاعتذار.
إن التزامنا بحقوق الشعوب المضطهدة والطبقات المهمشة، لا يعني أبداً صد الأبواب عن الإنسان الأمريكي الشمالي (الأبيض)، فصراعنا الفلسفي والحقوقي هو مع معادلة البغي القديمة التي لا تزال تؤمن بتفوق العرق وحقه في إبادة الآخرين، أما الذات الأمريكية البيضاء، فمساحتها الحقوقية والأخوية ممتدة في الإسلام لا فرق لدينا معهم، من مسلمين وغير مسلمين، كما أن هناك مجتمعات مسحوقة منهم، في أمريكا الشمالية، فقراء ومحرومين، تتلاعب بأصواتهم السياسة وتتركهم في جحيم الحياة.