مهنا الحبيل
1/11/2022
نعيش جولة شرسة لقوى الحداثة الغربية، ولا نقصد بها حداثة التطور العلمي والتقدم، ولكن حداثة الآلة الرأسمالية المقترنة، بقضية استبدال الإنسان بالجندر الجديد، وبعثرة أي أساس أخلاقي ولد مع الطبيعة البشرية، وأي رابط ورثته الأسرة في قوامها الفطري، حيث تتبنى الحداثة إعادة تعريف ذات الإنسان، كمادة تخضع لمفاهيمهم وُلدت في طقوس فلسفية مختلة، سبق أن شرحناها في نظرية فوكو الجنسانية، ثم اُطلقت النزوات لتفسّر الأفكار الذي يسعى الغرب لفرضها، كقوانين ملزمة لبقية العالم، وللمهاجرين لدوله من بقية الأمم.
وتستثمر هذه القوة الهجومية المدعومة، التصدع الإنساني في الشرق، الذي تأثر من غياب سلطة قانون أخلاقي يحمي الضعفاء، ويعزّز حق المرأة الطبيعي، ورابطتها مع الرجل ومع أطفالها، وليس تحويل الأنثى لعالم صراع مع عالم الرجل، ثم نزع صفة الأنوثة أو الذكورة، ورمي المجتمع في قعر اضطراب فكري، يحاصر الطفولة ويغتال براءتها، وخاصة أن حوادث الاعتداء على النساء، لا تزال تضرب في المجتمعات المسلمة، التي يغيب عنها الخطاب التأهيلي الضروري، لتضامن الأسرة والإحسان بينها، في عالم مخيف.
لقد أسقط الإسلام ثقافة الجاهلية الاجتماعية، والعنف والتعسف ضد المرأة، لكن المشكلة هنا هو تخلف المسلمين عن رسالتهم، واستغلال الغرب لهذه الخطايا الكبرى ضد المرأة والطفولة، ولكن فلنلاحظ هنا مسألة مهمة في نقطتين:
الأول: أن حالات العنف الأسري والمواجهات، باتت عابرة للقارات وهي كذلك، في آخر احصائيات راجعتُها للولايات المتحدة الأمريكية، فلم يتوقف العنف ضد المرأة ولا حوادث إيذاء الطفولة، وازدادت عمليات القتل الجماعي، في صور مروعة، حيثُ تُستهدف مدارس وأحياء، بسبب ثقافة الإحباط والتنمر التي تُعبّر عن أزمتها النفسية بالسلاح، وهذا يعني أن الخطاب الحداثي البديل لخلق العداء بين المرأة والرجل، وإسقاط الهوية الفطرية لم يحل الأزمة المستعصية.
الثاني: أن الكثير يعتقد أن الأمر في الغرب الجديد، ومشروعه الحداثي في الأسرة، يقتصر على جملة مفاهيم وقناعات، ومنها ميول الذات الشخصية وحياته المثلية، وهذا غير دقيق أبداً، فالأمر يتطور بصورة كارثية، وشمل فتح القوانين أمام الأطفال للذهاب للعيادات والمشافي، دون علم والديهم، ومحاسبة والديهم لو حاولوا صرفهم، فإلى أين يذهبون؟
يتعاطى الفتى في سن الثانية عشر، وممكن أقل، هرمونات ذكورية مكثفة أو أنثوية، ويُغيّر أعضائه فيستأصل ويضيف، في عمليات خطرة جداً، وهي غير مأمونة طبياً مطلقاً، وتتسبب في مضاعفات خطرة للغاية، ومع ذلك تُشرّع القوانين لفتح أبواب هذه العمليات التي تضخ أموالاً ضخمة، وعقاقير فاحشة السعر.
وتُقيّد مقاومة الأسرة والوالدين للمثلية القهرية، وتُمنع وجهات النظر العلمية من الوصول للفتى أو الفتاة، حتى لو كان الأمر مجرد مشاعر عابرة تعرّض لها الأطفال أو الفتيان، في ظل الضخ المجنون، لتشكيك الإنسان بهويته الجنسانية في الإعلام.
تقول له بأن تخَلقُه العضوي البيولوجي الواضح، قد ظهر صدفة، وأن الأسرة تشكلت بطريقة اسطورية كخرافة، لا شرعية إنسانية لها، ولك أن تتصور أن هذه المفاهيم، تُشرّع في قوانين وتُحمَى بالقوة. أليست هذه صورة لحرب شيطانية، تعادي الفطرة والحقوق الإنسانية، القرآن الكريم يُحدد هدف الشيطان هنا:
﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا﴾.
هذه الآلة الضخمة التي تهاجم العالم الجديد وُلدت أفكارها، في أروقة الفلسفة الغربية المعاصرة، ثم التقطتها عجلة التوحش الرأسمالي، وجعلتها شريعة عالمية، فأين الحقيقة؟
إن مواجهة هذه الحملة العالمية اليوم يقتضي بالضرورة، تحالفاً إنسانياً لا بد من أن تحمله دول، لأن إمكانيات الدولة مختلف عن الشعوب، وهي قضية تتصاعد في أفريقيا وصداها حاضر في أوروبا الشرقية، لكن لا يوجد رابطة حقوق إنسانية لها، لتُعيد تعريف صفة الأسرة، بما اتفقت عليه قوانين الطبيعة التي فطرها الله، وتواطأت عليه الديانات السماوية بل والعقائد الروحية، وقيم الإنسان أينما كان.
وهناك قوى أممية ضخمة معززة بقناعة شعوبها، وخاصة أفريقيا السمراء التي تخوض معركة الدفاع بانفراد، وهناك مقترحات فعّالة ممكن أن تصنع تغييراً، كتبنّي الدول المسلمة مع الدول الأفريقية وآسيا مؤتمراً موضوعياً، يُعيد تعريف الأسرة وحقوق الطفولة ويُطرح في الأمم المتحدة ليكون ميثاقاً أممياً للتوافق، يواجه به التطرف الغربي ضد الأسرة، ثم يُعمل على نشر الحقاق المتعلقة بالمصير النهائي للمثلية القهرية، ومآل الإنسان والطفولة تحتها.
ولابد هنا من التذكير بأمرين مهمين لنجاح المقاومة الإنسانية ضد التطرف الحداثي:
الأول: هو أن هذا المفهوم يجب أن تُحصر فيه الطاولة العالمية وفعالياتها، ولا تُخلط معه الجوانب السياسية للصراع الداخلي بين المعارضات الديمقراطية وبين مؤسسات الحكم، فالجميع إلا ما شذ يؤمن بحق الأسرة الفطرية، فلا يجوز استخدام هذا المنبر لأجل مساحات صراع خاصة.
الثاني: هو التفريق بين نزعات الفرد مما يطرأ عليه، في قضية المثلية أو الشعور الأنثوي، وهي سياقات مفهومة ترد على نسب قليلة جداً، تعالج بصورة ودية عبر قناعاتهم واحترام أسرارهم، ولا يُدعَى لأي عنف ضدهم، فالقضية هنا هي رفض هذا التفويج الضخم المتعدد، الذي لا يهدأ لفرض تصور الحداثة المادية عن ماهية الفرد والأسرة، وإضعافها في الضمير العالمي.
وما يجري هو تركيز ممنهج على عالم الطفولة، لخلق اضطراب نفسي مبكر في وجدان الأطفال يدمر استقرارهم النفسي، وقد بدأت بعض العيادات والأطباء والمشافي في الغرب بالفعل، تطرح على الطفل في عيادة الأطفال وهو في سن الخامسة، دون مقدمات ولا شكوى عن جنسه، فيبهتُه الطبيب هل أنت ولد أم بنت، بماذا تريد أن أُصنّفك؟
وهو بالضبط ما يتطابق مع سياسة شركة ديزني وغيرها المنتجة لمواد الأطفال، فمسرح المؤامرة انكشف اليوم، ولكن السؤال في حماية الإنسانية منها.