Categories: مواد فكرية

المستقبل التعليمي لأجيالنا في المهجر الغربي

المستقبل التعليمي لأجيالنا في المهجر الغربي

مهنا الحبيل

كانت أنباء التطورات في كل من ألمانيا وفرنسا تردني تباعاً، فيما يتعلق بأوضاع المسلمين الجديدة، بعد بروز التيارات العنصرية وتقدمها في الانتخابات، وهي تشمل دول اوربية عديدة، ربما كانت بريطانيا أفضل نموذج يحتوي الأقليات، لأسباب خبرتها الطويلة في المستعمرات السابقة، وأن تلك الشعوب انجذبت أو استُدعيت لأرض الدولة الغربية، التي كانت تستعمر بلادهم قبل الاستقلال.وهذا أمر معتاد ولاحظناه في أكثر من دولة في العالم الجنوبي، إذ تظل هذه الدولة مساحة التوجه الأول، للبحث عن فُرص التعليم أو العمل، أو الاستقرار المعيشي والسياسي، فباتَ هذا المخزون أكثر ديناميكية في لندن من عواصم أخرى، وساهم في نجاح البريطانيين في استثمار عالم الأقليات، لكن المظاهرة الأخيرة في لندن لليمين المتطرف، قد تشير الى تصدع خطير في هذه العلاقة.

ولم يعد الأمر محكوماً بتيارات متطرفة في الغرب، بل بأحزاب حاكمة أو ذات نفوذ، تستقطب كتلاً سياسية أخرى، لتشريع قوانين حصار جديدة، لمسلمي هذه الدولة ومواطنيها، أو المقيمين فيها، ولا بد هنا من تأكيد حقيقة مهمة، وهي تفنيد كل الدعايات الضخمة، عن أن المسلمين في الدول الغربية، يسعون أو ينوون تطبيق الشريعة على تلك البلدان، وهذا في أصله نوع من الهذر السخيف، لكنه بات يُطرح سياسياً بصورة مكثفة.إن الساسة المتطرفون والمؤسسات الخاضعة لهم خاصة في الإعلام، يَخلطون عن عمد وترصد، بين حرص المسلمين على تطبيق قيمهم الأخلاقية وحقوقهم العبادية، ونقل هذه المفاهيم لأجيالهم وهو حق انساني مطلق، وهو مفهوم يملك في ذات الوقت، مساحات تواصل وإحسان لشركاء أوطانهم الجديدة، لأنها قيم تصل الرحم وتُكرم الجار، وتحترم كبير السن، وتعطف على الصغير، وتراعي ذوي الهيئات، وتخفض الصوت وتتأدب في الطريق، وتتقي إذاية أي أحد ولو بحجر يُضيّق الطريق، وتتعبد النفس المسلمة الى الله بكل عون لكل كبد رطبة، من إنسان أو حيوان.

وهكذا فإن الجيل الذي يعيش هذه القيم، ويتعلم من أهله الانفتاح على الشركاء، وعدم جواز التعدي على ممتلكات الناس والأوطان، ويتجنب الخمور والمخدرات، ويضبط علاقاته الشخصية، وينام مبكراً ويتوجه الى وظيفته ويتقن عمله، هو جيل أخلاقي مبدع لأي بلد يستضيفه، أو يتحول الى مواطناً فيه، فلماذا تحارب الدولة الحديثة هذا النموذج المسلم في مواطنيها؟

هناك احتجاج مشروع على ما سردتُه من صفات لازمة في الإسلام، لأبناء الأجيال المتعددة من المسلمين، وهي أن هناك نماذج سيئة فاشلة، من المسلمين آذوا البلاد والعباد، وأعدادهم ليست قليلة في السجون، ونقول أن ذالك صحيح، لكن من أين تتوسع تلك النماذج أو المجموعات الكبيرة، الموجودة أيضا في المواطنين من أصل غربي، أو من مهاجرين آخرين من غير المسلمين!

من الفراغ القاتل أو الأزمة النفسية التي تُلقي بهذا الطفل أو ذاك، إلى الشارع الخطير الذي شُرّع فيه تعاطي المخدرات وتناقلها، من مشرعي قوانين البلد الغربي، من غير المسلمين، ولا نُسقط هنا إشكاليات الانحراف الذاتي التي نقلها بعض المسلمين، أو أزمة فهم الخطاب الإسلامي ذاته، فيسبب بلبلة في عقل الشباب، فكل ذالك لا يتناقض، مع أن هدم مؤسسات التأهيل الإسلامية للأحيال في ثنائية الأسرة والمدرسة، يرتد على المجتمع سلباً.

وخلال زيارتي الأخيرة لألمانيا وفرنسا، وقفتُ بنفسي على وضع التعليم الإسلامي، وتراجعه بسبب القرارت، والمتابعات التي تفرضها الدول الغربية على المدارس، وهي في الحقيقة قانون حظر عملي على المدارس الإسلامية، لكنه لا يُعلن بتشريع قانوني مباشر، ولكن بمجموعة قوانين تُعرّض المدارس لمخاطر كبيرة، فيسعى أهلها لإغلاقها، أو تغلقها الدولة، وهو ما يجري اليوم ويُستنسخ في دول غربية عديدة، وهدف هذه السياسات، هو منع انتقال الجيل المسلم الجديد بمواطنته مع قيمه، وليس منع أرضية مزعومة لتطبيق الشريعة.

وقد توجد هناك مدراس تورطت في فساد، لكن الهجوم مركزي تُتَبادل أدواره بين الاعلام والسياسة، ويوضع المسلمون تحت تهديدات مستمرة، وتخويف لا ينتهي، حتى لا تطمئن رواحلهم ولا أرواحهم، والمشكلة هنا هو غياب البديل الفعّال، والمناسب، إذ أن ذهاب الأولاد الى مدارس (الويكند) يتم في يومي اجازتهم وراحتهم، وتوجد هناك صعوبات في الاندماج في نفسية الأطفال، جراء هذا الإثقال، قد يرتد بصورة معاكسة، ولذلك فالبحت عن حلول أفضل اليوم، مهم أن يتم العمل عليه.ويجب عدم التهاون في التواصل مع الدولة والمؤسسات الحكومية في الغرب، والبرلمانات المحلية والفدرالية، وتحريك جسور العلاقات مع المجتمعات الأخرى من مواطني هذه الدولة، لتصحيح القوانين السلبية ضد المدارس المسلمة، وفي ذات الوقت يحب تنقية المؤسسات التعليمية، من النماذج الفاسدة، وتقديم مبادرات تصحيحية جميلة لقيم التعليم المسلم، وفوائده للمجتمعات المحلية.

mohana63

Recent Posts

السياحة والنظافة والحضارة

السياحة والنظافة والحضارة مهنا الحبيل بدت لي أزمير محطة مهمة لبدأ الرحلة التركية البرية، كان…

5 أيام ago

السياحة الفكرية في تركيا

السياحة الفكرية في تركيا مهنا الحبيل تأخرت رحلتي السياحية بين المدن التركية عشرة أعوام، حيث…

5 أيام ago

الأخلاق والعقوبة بين برنارد ماندفيل والفاروق عمر

الأخلاق والعقوبة بين برنارد ماندفيل والفاروق عمر مهنا الحبيل يستشكل البعض في توسيع رؤية المقاصد…

5 أيام ago

سؤال الدولة الاسلامي والاستئناف الفكري

سؤال الدولة الإسلامي والاستئناف الفكري مهنا الحبيل وقفنا في إعادة تحرير النموذج الماليزي على سؤال…

5 أيام ago

أبو بكر الصدّيق في عالمنا اليوم

أبو بكر الصديق في عالمنا اليوم مهنا الحبيل إن العودة للحياة الإسلامية الأولى، وخاصة الصدر…

شهر واحد ago

المرجع الأخلاقي للعالم الجديد

المرجع الأخلاقي للعالم الجديد مهنا الحبيل إن المقياس الذي يعكس بدقة، حقيقة الكوارث التي يعيشها…

شهر واحد ago