مهنا الحبيل
لقد نجح د. موسى أبو دقة في تدشين ومواصلة تفعيل الملتقى الثقافي العربي الكندي، عبر جهوده وشركائه واحتوائهم لبعضهم البعض، ومن خلال تحييد الانتماء السياسي والأيدلوجي، في ساحة المنصة المشتركة، مع بقاء الاختيارات الشخصية قائمة لكل منتسبي المنصة، ولقد ساهم ذلك في عرض أنشطة ونصوص شعرية وسردية، وحوارات حول أدب النص المختلفة، وهو بحد ذاته قيمة جميلة ومهمة في رواقنا الثقافي وفي ذوقياتنا الأدبية.
غير أن هناك تحديات كبرى، في العبور إلى ثقافة الفكر، كيف نخلق منه قاعدة لتنظيم المشترك العربي، في رواق حلم النهضة، أو حتى في متطلبات الوعي العربي، وحوارات الذات العربية، كما يسميها الصديق المشترك عبد الرحمن مطر، وهي مساحة غاية في الأهمية لا يمكن لهذه الشخصية النبيلة د. أبو دقة من العبور لها لصالح مجتمعنا العربي في كندا، دون دعم معنوي بتقدير جهوده وشكرها مع كل شركائه.
وإسناد مشاريعه مادياً، ولو بميزانيات محدودة، من قبل رجال الأعمال العرب في كندا، فهذه الطاقة ستعود بالنفع على الجميع وممكن أن تُطوّر إلى مستوى المهرجانات العربية الثقافية، تجمع بين الآداب والفنون والفكر.
وتدشن رواق حوارات اجتماعية وفكرية، لربط الأجيال بعضها ببعض، ودعم حضور العربي القيمي الذي يشكل إضافة لكندا وليس عبأ عليها، لكنه ينطلق من منبر حريته وكرامته الشخصية، وليس استدعاء آفة القمع أو الأمراض الجاهلية التي فتكت بأوطاننا العربية، ودون استنساخ (قيم) الحداثة المادوية.
كما أن تنظيم المنصات يفتح مسرحاً دورياً، لتلك الأقلام والشخصيات المبدعة أدبياً وثقافياً، ولقد لاحظت حضور متفوق للمرأة العربية المثقفة، من خلال مشاركات منصات الملتقى، وكذلك الرجال، ولذلك نأمل أن تنتقل روح الأدب والثقافة لأجيالنا، وممكن أن تسوق هذه الآداب في صورة مسابقات حماسية، تُخفّف من بأس فنون التفاهة، الذي يهبط على أجيالنا في كل منعطف وزاوية.
إنني هنا استحضر رحلة الصديق عبد الرحمن مطر العصامية، كمثقف سوري وكاتب، كافح في حياته من عهد الأسد الأب حتى الابن، وتعرض للقمع من النظام الإرهابي قي دمشق، وسدد من ضريبة عمره 9 سنوات سُجنها في ليبيا زمن القذافي، ثم انضم الى الثورة السورية بعد عودته، وبعد الافراج عنه تحول الى الهجرة الكندية، وقد نشر روايته (سراب بري) 2015، وهي تتضمن قصة كفاحه مع عذابات السجن لأحرار سوريا.
ورغم قدرته في إدارة الفعاليات والاصدارات الثقافية، إلا أنهُ لم يجد له أي موقع مهني بسبب ظروف هذه الوظائف في كندا، والتي تطوي شخصيات مبدعة أو تقلل من عطائها كثيراً، ولكنه عمل في مصنع في نوبات ليلية تتجاوز الثمان ساعات، لكي يؤمّن مصدره المعيشي، وفعّل حياته الفكرية وسيرته الذاتية، في المنتديات الكندية ورابطة الكتاب الكنديين.
واختير أكثر من مرة لمادة بحث أكاديمي وأفلام وثائقية، تناولت رحلة الحرية العربية من اللاجئين السياسيين في كندا، فأكبرتُ عصاميته التي جُمعت مع أخلاق عالية، وانفتاح مع كل التيارات، ومنها التيارات الإسلامية، وهو نموذج للقومي العروبي المؤمن بحضارته الإسلامية، وبقيمها، دون تسليم أو خضوع للقوالب الحزبية الدينية.
وجدت في ابي نورس ود. موسى أبو دقة مشترك مهم، في كينونة الذات وأخلاق المثقف، تساعد على تنظيم جديد وحيوي مع متطلبات الأجيال، لأجندة مميزة للمثقف العربي، وهناك عوائق ضخمة، لتحويل النشاط العربي الثقافي المشترك، إلى جدول همومنا العربية، بسبب الاصطدام الأيدلوجي والسياسي الذي زاد تعقيده بعد الثورات المضادة للربيع العربي.
وخاصة بأن هناك تيار لا يؤيد قمعية الأنظمة، لكنه عارض ويعارض ثورات التغيير، بسبب دلالة المآلات على السقوط الدموي والأمني الذي أعقبته، والطرف الآخر المؤيد للربيع العربي، يرى نفسه في عزلة شديدة، بسبب فواتير التضحيات والمشاعر، ومشروعية أمله في التغيير، ولذلك فإن الانقسام بين المجتمع العربي الكندي عميق وواسع بين الضفتين.
ولكنني أرى المدخل هو الواقع الكندي وتحدياته المشتركة، وتوزيع حراك المثقف العربي الى مساحة ثقافة الفكر، وليس النص فقط، وهذا يستدعي اختيار المواضيع وممثلي الحوار بدقة.
وحتى قضايا الوطن العربي الملحة وأزمتها العميقة، ممكن أن تبدأ ورش نوعية فيها، تُحيّد فيها الإسقاطات السياسية المباشرة على الدول، كملف التنازع الطائفي، والمواطنة والسلم الأهلي، والمرجعية الدستورية الحقوقية بين الفكر الإسلامي والوضعي، لتكون رحلتنا في كندا مساعداً لبعث عربي جديد، يكفي فيه في تقديري، أن تحرك فيه مسارات الحوار المعطلة، بقرار مستقل دون وصاية توظفه لهذا الطرف أو ذاك.