الموسوعة الإسلامية المعاصرة لمفاهيم الأسرة
مهنا الحبيل
10/4/2021
طرحت علي ناشطة زميلة متابعة لأسئلة الوعي الجديد، وقلق المرأة العربية بين جذبين، سؤالاً مهماً ومدلولاته الخطيرة حين يكتشف الفراغ الكبير، وتجربة الزميلة في قراءة الساحة العربية بالعموم والسودانية على الخصوص، شكلت لها حصيلة مهمة لتقدير الآراء والأفكار حول المرأة بين النسوية الراديكالية، وبين زغل التراث المضلل.
جاء السؤال إثر رحيل د. نوال السعداوي، حيث تجدد الجدل والصراع في الشارع العربي حول الموقف من قضايا المرأة وحقوقها، وتبعاً لذلك تبنى مفهوم الحقوق بناءً على الصراع مع فكرة الدين وبالذات الإسلام، في مواجهة كتلة الرد الرئيسية، التي لا تزال تتمسك بمرجعية التراث، أو بالموقف من كون الرد يصاغ بناءً على نظرية الرفض للاعتراف أو التقليل من واقع المرأة الحقوقي، في حين يَنتهج فريق التصعيد من الراديكالية النسوية شيطنة الإسلام وإدانة المسلمين كمسلمين.
فأين يُنتظر الحل لصالح المرأة في ظل هذا الصراع؟ وهنا جاء السؤال أين دور ذوي الفكر والرأي الفقهي المستنير في تبيين الطريق المختلف، لفهم حياةٍ إنسانية متكافئة مستظلة بهدي الرؤية الكونية للإسلام، تفهم تماماً كيف يفترق الوعي وتحرير التصور والحكم بناءً على وضع النص في سياق مقصده الشرعي، وفي حيوية الحضور النسائي المكثف والمتميز للمرأة في سيرة وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهنا أؤكد مشروعية سؤال الزميلة السودانية، والضرورة الأخلاقية والشرعية والإنسانية لتحرير هذه المفاهيم، ولذلك ما يمكن الدعوة إليه اليوم هو صياغة مجلة مفاهيم، ولا أقول أحكام؛ لأن الأحكام ستتداخل مع صراع شرعي وفكري يبعدها عن الوصول إلى مفاهيم راسخة لحماية المرأة والطفولة من العنف الذكوري أو التشبيح الوقح على المرأة بخطاب تلمودي أبله أو سادي النزعة ضد النساء، لا يُنكر وجوده واستفحاله في بعض مجتمعات المسلمين، ولا تخلو منه دولة.
فمعالجة هذا التشبيح ونزع أي شرعية له سيسهم في حماية المرأة من خطر آخر وهو قرار إعدام أنوثتها، وتحويل قضية المرأة والحقوق النسائية، وهو ما يجري اليوم، إلى تجريف كامل للأسرة، وخلق مجتمع جندري يؤسس على إلحاد أحمق متطرف، تقوم فكرته على صراع المجتمع الأسري، وتحويل حياة الفرد بين نزوة جنس وحرب مع الرجل، ولا مشكلة لديهم في ذلك، فالخلق صدفة والحياة نكتة سخيفة.
هنا نفهم جاذبية إثارة حق الحضور الاحتجاجي وتفجير النزوة للشابة، التي قد لا تدرك كارثية هذا المآل على حياتها إلا بعد فوات فرصة التصحيح، وبالذات إذا انهارت نفسيتها في أزمة كآبة أو مفاصلة مع المجتمع الأسري بتحطم شعوري أو إغراق في المخدرات، في حين أن الفكرة هنا هي أن تكون المفاهيم حماية لذات المرأة في المجتمع وفي دفاعها عن حقوقها، يساعد في ذلك قناعة كتلة مهمة من مجتمعها.
فتجد المرأة المعذبة ما يُسكن خاطرها من فهم نصوص الإسلام، وما يمكن أن يُتكأ عليه في جدلها مع المجتمع الجاهل أو عناصر التشبيح، لكن هذا لا يكفي، فالأصل أن تنطلق مساحات الكفاح والتحالف الحقوقي في أوساط الرجال لخلق منصات ومنظمات دفاع وتأمين للمرأة المظلومة تهتدي بالمفاهيم الإسلامية.
والأمر هنا ليس منهجية ميكانيكية، ولكنه مسطرة صعود وحضور لدور الفقه الجديد، هذا الفقه يحتاج أن يكون واعياً لرؤية الإسلام الكونية، المختلفة عن رؤية العالم المادي الغربي الحديث، والذي لم تسلم المرأة فيه من آلة توحشه الضخم عليها، وتسليع أنوثتها، ثم الجمع بين التسليع للأنوثة وبين القهر الجندري وتثويره، وهو بالضبط ما تعانيه القرية الكونية، وكل تلك الآلة في قبضة الرأسمالية الغربية.
ولمن يحتج على قصور الفقه الديني، ليس من خلال وجود الفكر والأحكام المنصفة للمرأة، ولكن لطغيان خطاب الجهل أو التحفز لصالح الرجل في التراث، فعليه أن يتذكر حجم الغياب لفقه العدالة السياسية في العهود المتأخرة للمسلمين، وكيف هيمن التدين السلطاني المضلل على كتب الفقه وكأنها أحكام قطعية في الشريعة، ولم تكن إلا كتلة ضلالات أو جهالات نظر مغلق موظف دوّن غالبها فقهاء الاستبداد.