النموذج الماليزي في حوارات الفكر الإسلامي

النموذج الماليزي في حوارات الفكر الإسلامي

مهنا الحبيل

في جلسة حوارية لم أخطط لها في إسطنبول، انفجرت كثيراً من أسئلة الجدل المهمة في الفكر الإسلامي المعاصر، كان ذالك صحبة د. لقمان عبد الله الذي دعاني تفضلاً لزيارة جامعة السلطان محمد الفاتح، واللقاء بالدكتورة طوبى هاجر كوركماز رئيسة قسم الفقه وأصوله في الجامعة، للتعرف على أنشطة الجامعة، واهتمامات د. طوبى في مسارات التفاعل الفكري الإسلامي الأخير، بين مسار المقاصد ومسار التراث، ولاحظتُ لدى د. طوبى رصداً دقيقاً لموسوعة الجدل الإسلامي الأخير في قضايا متعددة، أعاد عندي السؤال الكبير. أين هو الفكر الإسلامي من حياة المسلمين العامة، ومن قضايا الإيمان وتحديات الإلحاد وابتعاد الشباب عن قيم الأخلاق، وما علاقة ذالك بفزعهم من الخطاب الديني، هل هناك خطابٌ آخر تحتاجه مجتمعات المسلمين والبعد الإنساني العام، خارج صراعات الإسلاميين، أو ما يطلق عليهم (الإسلام السياسي)، قضية مهمة نعود لها بعد تحرير النموذج الماليزي.أما د. لقمان عبد الله فهو أخ وصديق العزيز، وهو المفتي الفدرالي السابق لمملكة ماليزيا الإتحادية. وهو شخصية علمية رصينة تنتمي الى بيت ديني عريق من ولاية كلينتان، فوالده الحاج عبد الله رحمه الله، كان مدرساً في الحرم المكي الشريف قديماً في الحجاز للناطقين باللغة المالاوية، ثم عاد الى وطنه وأحيى منظومة الدروس الشرعية، التي تمثل تثبيتاً للهوية القومية للملايو سكان ماليزيا الاصليون. والذين يتحدون في الأصل الاجتماعي مع قبائل الأدغال، الذين لا يزال بعضهم على الدين الوثني القديم ولم يبادوا كالهنود الحمر! رغم أن غالبية إخوانهم من ذات القبائل دخلت في الإسلام، فخُلقت فيه من جديد، وأصبح قادة ذالك الأرخبيل، سلاطيناً للولايات التي جاهدت الحملات المتوحشة، للمستعمرين الغربيين على العالم الآخر. ورغم أن د. لقمان حظي بثقة ملوك البلاد في مرحلتين، حيث يتم تداول السلطة في الملكية الدستورية، التي أُعلنت بعد الاستقلال، وثقة رئيس الحكومة الحالية د. أنور إبراهيم، إلا أنهُ أصّر على الاستقالة، بسبب ما حدثني به مراراً عن أُنسه وشوقه للحياة العلمية، ولذلك عاد الى كلية الشريعة بيته القديم في جامعة الملايو، وقد دُعي مؤخراً لزيارة اكاديمية في جامعة السلطان محمد الفاتح. يمثل د. لقمان عبد الله وحشد كبير من علماء ماليزيا، تياراً تقليدياً فقهياً متصالحاً مع النظام الدستوري الملكي، وبسبب أهمية مرجعية الإسلام في القيم وفي الحياة المدنية، لمسلمي الملايو التي وُثقت في الدستور، منذ الاستقلال فإن ملوك البلاد يعتمدون في تحديد قراراتهم السلطانية أو توجيهاتهم ذات العلاقة، على رؤية المفتي الممثل للمدارس الشرعية، ولذلك يَضلُ البعدُ الديني مؤثراً في تاريخ ماليزيا الحديث، وللدكتور لقمان توجه مقاصدي محافظ في نفس الوقت، ربما ساعد هذا على إصرار الدولة على بقائه، قبل القبول باستقالته مؤخراً. وهناك اسئلة كبيرة طُرحت علي ولا تزال، هل تمثل ماليزيا تجربة إسلامية؟ ما علاقة روح الشريعة الأخلاقية، بمنافسة البراندات العالمية فيها، المرتبطة بالقوة الرأسمالية المتوحشة، ولماذا حافظت ماليزيا على علاقة متوازنة مع المركز الغربي، حتى خلال فترة صراع مهاتير محمد، مع المركز الغربي، وماذا عن السياحة المفتوحة للأجانب دون قيود تذكر، ونسب الفساد السياسي والاقتصادي، وهل تمثل الأبراج الشاهقة روح المدنية الإسلامية، وأين ذالك من سجل التقدم الحضاري في حياة الفرد والجماعات البشرية؟ وأحد الإشكاليات التي يجب أن توضع كميزان لتحديد تجربة ماليزيا أو غيرها، هو هل الحديث هنا عن نموذجٍ تخلق في حياة إسلامية، انتقلت من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، الى الزمن المعاصر فأضحت بنية الدولة والمجتمع والقانون العام، منظمة التأصيل والتشريع؟ أم أننا نعيش في زمن بعيد عن حياته صلى الله عليه وسلم، ولا تفصلنا عنه قرون طويلة فقط، بل حتى فقه الفتنة التي حذر منه صلى الله عليه وسلم، وما جرى للأمة من بعده قد سالت فيه دماء وسقطت فيه دول، وأعدم علماء من ورثة الأنبياء، وطورد آخرين منذ عهد سعيد ابن جبير وابي حنيفة النعمان والشافعي وجُلد فيه مالك، حتى زمننا المعاصر. فبلاء الصراع السياسي والانقسامات ظل يحكم التاريخ، رغم تفوق الجذر الأخلاقي الفكري والمعرفي والإيماني بين الغرب والمسلمين، لكن قوتهم العمرانية والنهضوية، عُطلت بأيديهم، قبل أن يتمكن منها الغرب، ويدير مشرطه تقطيعا في أوصال العالم الإسلامي. ولقد أجاب د. لقمان عبد الله على أسئلة حضور حفل التكريم، الذي أقامه له المركز الكندي للاستشارات الفكرية في إسطنبول، لماذا تعيش ماليزيا أجواء تفاهم عامة، فشلت فيها أقطار عربية، أين المدخل هنا وأين المقصد الشرعي، الذي عاد له د. لقمان في محاضرته لفهم تميّز هذا النموذج؟للحديث بقيّة

mohana63

Recent Posts

السياحة والنظافة والحضارة

السياحة والنظافة والحضارة مهنا الحبيل بدت لي أزمير محطة مهمة لبدأ الرحلة التركية البرية، كان…

5 أيام ago

السياحة الفكرية في تركيا

السياحة الفكرية في تركيا مهنا الحبيل تأخرت رحلتي السياحية بين المدن التركية عشرة أعوام، حيث…

5 أيام ago

الأخلاق والعقوبة بين برنارد ماندفيل والفاروق عمر

الأخلاق والعقوبة بين برنارد ماندفيل والفاروق عمر مهنا الحبيل يستشكل البعض في توسيع رؤية المقاصد…

5 أيام ago

سؤال الدولة الاسلامي والاستئناف الفكري

سؤال الدولة الإسلامي والاستئناف الفكري مهنا الحبيل وقفنا في إعادة تحرير النموذج الماليزي على سؤال…

5 أيام ago

أبو بكر الصدّيق في عالمنا اليوم

أبو بكر الصديق في عالمنا اليوم مهنا الحبيل إن العودة للحياة الإسلامية الأولى، وخاصة الصدر…

شهر واحد ago

المرجع الأخلاقي للعالم الجديد

المرجع الأخلاقي للعالم الجديد مهنا الحبيل إن المقياس الذي يعكس بدقة، حقيقة الكوارث التي يعيشها…

شهر واحد ago