خلاصة فكرية من لقاء مقهى المهجر مع أ. مهنا الحبيل
في اطار سعيه لتعزيز معادلة المعرفة الإسلامية وسط الشباب المسلم في المهجر، طرح ا. مهنا الحبيل في اللقاء(11) لمقهى المهجر الكندي/22/2/2020
طرح احد المواضيع المُلحّة على جميع المجتمعات المسلمة، وأكثر على المهجر الغربي والضاغطة عليه بفعل الانحياز الثقافي الكبير الذي يواجهه.
يرى أ. الحبيل ان المسلم الكندي دستوريًا متاح له مادتين يمكنه استثمارهما، حق الاعتقاد وحق التعبير.
في حين تتمتع الأفكار الأخرى التي تنتمي للمجتمع الأوروبي بمساحة قانونية تنفيذية أكبر بكثير من مسلمي كندا.
وحق التعبير مادة مهمة يمكن من خلالها المقاومة بالافكار وممارسة الجدل المعرفي والمقارعة بالحجة، ورغم التضييق في اتاحة الفرص من الآخر ومحاولة فرض الهيمنة إلا ان هناك قصور في الوعي الفكري وضعف في لغة الخطاب لدي المهجر المسلم أيضًا؛
فمع الشكر للدور الكبير الذي تقوم به المراكز الإسلامية والمدارس، إلا ان الاحتياج يتزايد للغة الثقافة والفكر؛ لمواجهة أسئلة التحدي الثقافي الغربي، والتي هي وليدة تاريخه الاجتماعي الحديث وماصحبه من صراعات كبيرة، عليها مدار تطور فكرته وتصاعدها.
لذا مواجهة هذا المد الثقافي تحتاج لاستيعاب أسئلته، والاعداد الذاتي بترسيخ مبادئ الفكرة الإسلامية الأصلية في نظرتها للكون والإنسان؛ ووعي ماتترتب عليه هذه النظرة من فلسفة للحياة الاجتماعية وكيف تحافظ على الانسان وتحفظ هويته وكرامته.
مناقشة الأسئلة وبسط جوانب النظر فيها، يولِّد وعيا مختلفا؛ وعيًا مطمئنًا وجدانيًّا وصاحب قوة استدلالية على جواب أين الصواب وأين الخطأ.
يرى أ. الحبيل أن هناك ثلاثة تحديات رئيسية تواجه أسئلة الفكر في المهجر:
/الانسان والوجود
/الاسرة الفطرية
/العدالة الاجتماعية
ويُخصص هذه المساحة للتحدي الثاني، والذي بالضرورة يتداخل مع الآخرين، راجيا المساهمة في ترسيخ ثقافي لخلق توازن وجداني عملي للحفاظ على الأسرة والعلاقة بين أفرادها، من داخل الإطار المعرفي الإسلامي.
العنوان الرئيس للقاء:
المفهوم الوجداني للأسرة في الإسلام.. العمق الإنساني الموحّد
لمناقشة المفهوم وأين تتصل جذوره بالمفهوم الإنساني العام وأين تختلف مع التيارات الفكرية أو مع المذاهب الدينية المختلفة.
يرى أ.الحبيل رغم وجود العديد من التيارات الفكرية القديمة والحديثة، إلا أن الساحة حاليًا يسيّطر عليها تياران أساسيان في حالة الصراع حول مفهوم الأسرة، مع الإشارة لملاحظة تحييد إجمال مجتمعات المهاجرين بما فيهم الحالة المسلمة، لأسباب ذاتية ولعدم وجود فرصة عادلة لطرح معادلتهم الفكرية، ليس تحيزًا قانونيًّا وإنما مجتمعيًا ثقافيًّا:
/التيار اليميني المحافظ (هناك اتفاق ومشتركات في التفاصيل، مع اختلاف مركزية الفكرة)
/تيار اليسار الجندري (يفرِّق بينه وبين النسوية القائمة على المركزية الإنسانية)
والذي يُعتبر الأكثر تهديدًا لمنظومة الأسرة فهو يقوم على ثلاثة أفكار مخالفة للمعرفة الإسلامية ومهددة للإنسانية :
/ الصراع الابتدائي والعدمي بين الرجل والمرأة (العمل على فكرة التمركز حول الذات)
/الأب خصم وعدو إبتداءً ؛ بوصفه أو ل بوابة الذكورية (مفهوم البطرياركية)
/إسقاط الأسرة وتحويل الفرد الى جندر ( بصورة مفاهيمية تحويله الى جسم مادي طبيعي، منفصل عن أي مرجعيات وجدان وروح، تحركه الرغبات والنزوات)
يبدأ أ. الحبيل باستعراض فيلم أنتجه التيار اليميني بعنوان “المتغلب”، ليعكس في قراءة تقريبية المشتركات القيمية فيه معهم.
يركّز الفيلم على دور المدرسة الكنيسة القيمية في الوجدان الإنساني، ومفاهيم الأسرة الفطرية التقليدية، وكيف تساهم علاقات التراحم بين أفراد الأسرة على النجاح الفردي واطمئنان الوجدان الروحي لمواجهة تحديات الحياة، وكيف يشكّل الأب ضامن معنوي ورعاية -حتى لو سبق منه الاسراف-، في رعاية الأبناء كما يتناول أثر المراجعة الأخلاقية في تحدي الانحرافات السلوكية، هذا ويُشير الفيلم أيضًا لدور القانون الإداري والذي لا خلاف في أهميته كضابط للتعدي بين أفراد الأسرة متى ماكان الضرر قائما ومهددا للأطفال، لكنه يحتاج أيضا لضابط آخر يقوم على توعية الأسر بحقوق أفرادها ومحاولة تعزيز صلاتها لما له الأثر الأكبر في الاعتدال السلوكي(تم عرض هذه الأفكار في لقاء سابق للمقهى).
يؤكد أ. الحبيل أن كل هذه القيم تُعتبر من المشتركات بين الفكرة الإسلامية وبين الفكرة المسيحية المحافظة.. فلماذا الإصرار على وجود اختلاف؟
يُجيب على هذا السؤال الإشكالي بمركزية الفكرة المسيحية التي تختلف مع إيمان المسلم بالمسيح عليه السلام، بوصفه نبي وليس بوصفه ابن الله؛
قائلًا بان مسالة الغيب اليقيني الذي يدفع الإنسان لطمأنينة التسليم والالتجاء(ان الله سبحانه غائب عن شواهدنا الحسية إلا أنه موجود يقينًا عبر الروح والوجدان ) يستشعره الفرد كلما استنطق روحه.
وان الفكرة التي تُبث بأن الإيمان بهذه المسألة حافز للاعتدال الأخلاقي والعدالة والسلوك القويم، هي نفسها دلالة عقلية على مفهوم الإسلام في التعالي الإلهي عن صفات خلقه؛ فليس كمثله شيء سبحانه، تنزيه للخالق عن نقائص المخلوق، ومفتاح للتمييز بين المطلق والنسبي.
ويرى أ.الحبيل ان هذه الهرمية الموجودة في الإسلام باعثة للاطمئنان اكثر من فكرة السيولة الموجودة في المركزية المسيحية.
لايعني أ.الحبيل بهذا التحفيز على الصراع، بل الوعي الضروري عند البناء على المشتركات التي ذكرها.
اما عن الطرف الآخر فهو يختلف في كل ما أشار له الفيلم من قيم يمكن النظر لها كمشتركات؛ لانه رافض لفكر الأخلاق الروحية وهذه كما بدأ أولا لها علاقة بتطور الفلسفة الغربية وتنحية “الله الخالق الراعي”وفشل نظرية الانسان الإله التي تبنتها فلسفة غربية مؤثرة، والتي تعيش الآن أزمة أخلاقية يبحث فيها فلاسفتها نفسهم.
يرى أ. الحبيل ان الحل هنا لايمكن الدخول اليه الا عبر البوابة الثقافية، والتي لا تجد طاولة حوار عادلة، لذا من الضروري تعزيز مفاهيم المعادلة الإسلامية وطرح معاييرها كاسئلة مقابلة للطرف الآخر..
/ لماذا أتخلى عن فكرتي الدينية اذا كانت في أصلها لا تتصارع مع الحياة المدنية؟
/ لماذا تحاكمني بالتاريخ مقابل الأسس المعرفية؛ والتاريخ الغربي ينوء بما يحمل من أوزار خلل العدالة الاجتماعية؟
//ماذا بعد هذا الصراع الجندري ومامصير البشرية، ولماذ يُفترض وجود تحسُّن من هذا التأزم وماهي شواهده؟
/لماذا عليًّ تنحية الأبعاد الأخلاقية في العلاقات الإنسانية والتي رُصد دورها في حفظ كرامة الانسان وعلاقاته واطمئنانه الوجداني بامتداد عمر البشرية؟
/لماذا أُسقط مفاهيم مثل التراحم والتكافل، غير المكلّفة ماديًا والتي تقوم على الأسس الأخلاقية الإنسانية؟
/ أين يغيب ميزان العدالة عندما تضغط على المهاجرين والمسلمين بفرض قواعدك الثقافية، في الوقت الذي يُترك اليمين ليعبّر عن ذاته؟
كل هذا ولا ينسى أ.الحبيل الربط بين اللبرالية واليسار الجندري واليمين في حالات اتفاق المصالح والتي لايغيب عنها سوق الرأسمالية المتوحشة.
وكيف لفكرة المركزية السائلة بين الانسان والطبيعة والمادة والقائمة على مرجعيتها الذاتية، أثرها في فقدان العالم تماسكه وصعود أفكار الصراع تعبيرا عن موازين القوى والوقوع في شرك الفردانية المطلقة.
تحرير الخنساء