مهنا الحبيل

5/2/2023

إن هناك فراغا كبيرا في تربية الطفل المسلم، وخاصة في اكتسابه الثقة في الحديث، وفي السؤال وفي الرد والإجابة والمبادرة، تُكتشف في البيئة الغربية وتقفز للسطح، في عالم الأسرة المسلمة، حيث يتفاجأ الأبوين بأن سرعة وقوة شخصية ولدهم أو بنتهم، تختلف عن تلك المساحات التي عاشوها في طفولتهم، فهل منهج الغرب، أفضل من منهج المسلمين، هذا حديث يحتاج إلى تفصيل. 

       فهناك فرق بين أدب وحياء الطفولة الطبيعي، وبين الثقة التي تمنح للطفل، ورفع قوة القهر أو التهديد والتعنيف عنه، وخاصة أنهُ لم يبلغ الحلم، وأن التأديب التربوي، يقنن في مساحته، ويداور الطفل بالتشجيع والثواب والعقاب، بأساليب دقيقة، وذكية تتعامل مع حسه المرهف، ولكل شاردة تعاملها الخاص، لحماية الطفل من نزعات السوء، أو نبتة الكراهية، التي نستطيع أن نرصدها، في دراسات الباحثين والعلماء، عن جذور هذه الأزمة في حياة هذا الطفل أو ذاك. 

       فهنا أصل المنهج الإسلامي، ولا نقول ذلك محاكاةً، ولكن من يتدبر الخطاب القرآني ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم، يجده هو اقرب للغرب في هذا التفصيل، أي إعطاء الطفل مساحة الحديث وحرية السؤال، وتكريمه بالحفاظ على شخصيته، مع مراعاة عمره وتجربته. 

       ولذلك حين نعود الى التاريخ الإسلامي، نجد أن الخطاب مع الغلام مستفيض، قال الغلام أو ردَّ الغلام، وسُئِل الغلام، وهو متكررٌ في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتبرز هنا مسألة شخصية الطفل التي لا نراها في الشرق المسلم اليوم، أو تندر في مقابل صورة الطفل الخجل والمداراة عليه، والخوف الصامت، وأحياناً الرعب والبكاء، دون مبرر ظاهر. 

       فهذه المرحلة في الأصل تشملها الكرامة الإنسانية، وتعزيز ذات الفرد، منذ طفولته، والتي خلق الإسلام لها برنامج رعاية نفسي وتربوي، عززه بالأسرة التي فيها فطرة الرحمة، ثم أمر الجميع باتخاذ كل خطاب جميل، ولفظ محبب، واحترام جليل، برزت في وصايا لقمان الحكيم وغيره، فالإسلام هنا هو من يبنى كرامة الفرد الذاتية، ولا يجعل عليها سبيلاً للظلم حتى من أبويه، إذن أين الفارق؟ 

       الفارق هو في روح الفطرة بين الطفل وأبويه، وبين الفتى ووالديه، فالكرامة الفردية في الإسلام لا تُسقط حق الأسرة ولا الرعاية المتبادلة، فهي تخلق رباطاً مقدساً بين الأبوين وبنيهم، تجعل الشراكة وتداول الصعوبات في الحياة، سيرة نبل وحب وتضامن، لا تصنعها الماديات، ولكن تُضبط الحقوق فيها، لتمضي الأسرة الإنسانية الكبرى، بأفضل مجتمع بشري متعاضد، وهو ما يجعل طبيعة الله في الخلق، ضمان للسعادة الإنسانية. 

       هنا الغرب يهدم ذلك كله، فهو يُحفّز الطفل منذ سنواته الأولى، على أن هذه الرعاية للوالدين، هي واجب إداري سيأتي يوماً، ينفكون عنك ولا حاجة لهم في حياتك، وهذه التشريعات التي فُصلت في القوانين الغربية، وقفنا على أصولها في فكر فلاسفة التنوير ولكن لا مجال لشرحها هنا، وإنما نحن هنا نشير إلى جذر هذه الأزمة، التي خُلقت في المشاريع القانونية الغربية، بناء على فكرة المحاصصة مع الوالدين، وكأنهم مستأجرين من الدولة، وتغييب الروح الفطرية المستمرة بالحب والود بعد البلوغ، هذا فضلاً عن اختلاف تعيين سن الرشد. 

       فهدم الرباط الأسري في روح الطفل، وخاصة بعد سعار تكريس المثلية وتشكيك الطفل في تخلقه وجنسه، أضحت قوة تأثير لا على أطفال المسلمين وحسب، ولكن حتى أطفال العالم الجنوبي، المهاجرين، وحتى الأسر الغربية، التي تؤمن بالأسرة الفطرية، هي أيضا تحت ضغط الحداثة الجنسانية، وتشملها عمليات اخذ الأولاد والوصاية عليهم. 

       ولذلك نحن نتحدث دوماً عن الأصل، وهو حب الوالدين ورعايتهم القلبية والعملية، حتى لو اخطأ احدهم بسلوك عارض، فهذا لا يبرر اختطاف أطفاله، وتعذيب الوالدين والأطفال بالحرمان، ولكن نعيد التذكير بأهمية تهذيب لغة الخطاب وإعطاء الطفل مساحته، في الاحترام والقناعة والتعبير، مع تذكيره بأدب الذات والسلوك والحب للأبوين وكبار السن، وتقديرهم. 

       فإذا اجتمع لدى الأسرة المسلمة عنصر التربية للذات المحترمة للطفل، وعنصر تكثيف القيم الأخلاقية في روحه، اكتسب ثقة في مواجهة حملات التجريف الضخمة، التي يتعرض لها في المدرسة، أو استفزاز الأسئلة الموجهة، من المعلمين ذوي الأغراض السيئة، فيقترب من قلب والديه، ويستفسر منهم، ويعود مطمئناً، وهذا أفضل من الهروب من تحديات السؤال، أو الفزع المقلق، الذي يَخلق في ذات الأسرة المسلمة، عجزاً وفقدان ثقة داخلية، فلا هم بالذين خرجوا الى جغرافية مأمونة ولا هم بالذين حصنوا فلذات أكبادهم.