مهنا الحبيل
31/12/2023
حضر وائل حلاق في جلسة الحوار القصيرة، في معهد الوعي الإسلامي في كوالالمبور، والذي قصدته بدعوة كريمة من د. عزام، الرئيس العام للمعهد ويرمز لهذه المؤسسة المهمة ب (Ikim)، كان الحديث عن قضية الصراع الكبرى في رواق الفلسفة العالمي، والتي أعتقدُ أنها تُمثل الأولوية القصوى، في تحرير موقف الفلسفة من مآلات العالم اليوم، والقصد هنا أين هو ارث وجذور وأرشيف الفلسفة الغربية في مأساة هذا الكوكب، وسؤال انهياره في كل مسار إنساني، وهدم الحداثة الرأسمالية لكل ثروة حمتها الفطرة في الذات الوجودية للإنسان.
كان مدخل د. عزام في تعليقه على كتاب (وائل حلاق وإدوارد سعيد جدل ثالث) والذي يُراجع نسخته الإنجليزية، بعض الباحثين المتخصصين في المعهد، واستدعاؤنا المشترك لعلاقة كلا الشخصيتان الكبيرتان في مواجهة عالم الاستشراق، ونحن نقول عالم وليس مشروع ولا تيار فلسفي، لأنه بالفعل صنع عالماً مركزياً ثبته لا على الرواق الأكاديمي وحسب، ولكنه يجثم على صدر العالم الآخر ويخنق فكره التحرري، ويُقيّد الأسير الجنوبي المضطهد في قوة الحداثة الرأسمالية المهيمنة.
والتي جاءت لحظة غزة المستمرة لتكشف بقاء نسختها، في أعنف وأقسى صور الوحشية في حياة الإنسان، المستمدة من ذات الفلسفة، سواء بالاتكاء عليها، أو بتطوير فكرتها سياسياً، ثم جاء السقوط الأخلاقي الكبير لفلاسفة المراجعة، عبر الفيلسوف الألماني الشهير يورغن هابرماس، هو وأكاديميين آخرين في المشاركة بتوقيع بيان فضيحة تاريخي، دعم مشروع وحرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني على شعب فلسطين في غزة، والتبرير لهابرماس في شأن أي عبارة أو صياغة تفصيلية، لا يُغيّر من مركزية الموقف.
وقد كنتُ أشرت في مادة سابقة إلى استخدام حكومة كيبيك المتطرفة، نص القانون الذي كَتبت أرضيته الفلسفية التشريعية، لجنة ثلاثية كان من أبرزها، الفيلسوف الكندي تشارلز تايلور، والذي امتدحه وائل حلاق نفسه في إحدى مقابلاته، ولكنه سقط في هذه اللعبة، وبالفعل استثمر الحزب الحاكم في كيبيك، فلسفة تايلور في مشاريعه المتعاظمة لحصار مسلمي كيبيك، والتضييق على حقوقهم الوطنية والمدنية، ومحاربة الحجاب الإسلامي.
وكما طرحتُ سابقاً وأعيده اليوم، أين هو سؤال الفراغ الجدلي في خطاب فلاسفة الغرب الأخلاقيين، وسر عودتهم للانتكاس التفكيكي في الاعتراف بمدار الحق والتكافؤ الإنساني؟
ولا يعني ذلك مطلقاً أننا نعمم النقد والنقض، غير أننا هنا حين نستدل بنزعة الانحياز الإبادي، فنحن نضع اليد على قعر الكأس المشترك في العقل الفلسفي الغربي الحديث، وهو لا يشمل كل هذا التاريخ بالضرورة، فلدي رؤية تقدير مختلفة لأمثال كانط وروسو، لكنه يظل دلالة عجزٍ فائقة الأهمية، تخفى على الكثير، حتى من طلبة وباحثي الفلسفة الغربية الحديثة، فما بين ما اعتبرُه هزيمة نفسية لا تزال فاعلة في الوجدان الشرقي، وما بين استلاب البعض قوة الاستقلال المعرفي لديهم، يغيب عن الكثير الفارق المركزي للفلسفة الأخلاقية الإسلامية.
وأن معاودة الدوران في محاور الفلسفة الغربية دون نقدها النقضي، يترتب عليه بالضرورة، خسارة زمن مهم في تحرير وصياغة سؤال الإنقاذ الإنساني في الفلسفة الأخلاقية الإسلامية المعاصرة، وقلتُ المعاصرة هنا، لكون جدل المشهد في العالم الحديث، اكتسب أبعاداً فكرية وقوالب لغوية، لا بد من تفكيكها، وإن بقي تأثير ميراث الفلاسفة الأقدمين في الأجيال الحديثة.
فلو كان هذا الرواق الأكاديمي متعافياً ولو نسبياً، لصعد صوت صداه، ولكن الواقع اليوم في مشهد هولوكوست غزة، وما قبلها يؤكد خضوعه لما سماه أحد رجال حزب العمال من اليسار القديم، فقال لي إن ما تُشير له، يخضع لمفهوم رأسملة الثقافة.
هذه الرأسملة هي القوة العميقة المسيطرة اليوم، والتي يفترض أن تناهضها الفلسفة، وتقتلع سورها، ولكن ما يجري هو العكس في الرواق الغربي المشار إليه، وهنا الحديث بحجة أن الفلسفة الغربية يشار لها بأنها مُشرّعةُ الحرية، وهي اليوم ومن قبل مشرعة للإبادة، ليس في الفلسفة النازية وحسب، التي كان لها فلاسفة متخصصون، ولكن عبر مجمل صعود فلسفة الحداثة الغربية، المشتبكة بالقرون الوسطى، حتى زمن الإتحاد الأوربي المعاصر، ومع ذلك يظل العقل الفلسفي العربي يدور على كعبتها، وهي تَرجمُهُ وتقتات على تشريع دونيته وفوقتيها.
قال لي د. عزام أنهُ حضر في 2004 في لندن، محاضرة لوائل حلاق، وأنه كماليزي مسلم، ظل يُلفت نظره أن هذا المفكر المسيحي العربي الفلسطيني، كلما جاء ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، ارفقه بالصلاة والسلام عليه، وهذا الأمر بالمناسبة يردني تساؤل عنه من كثير، فهل يُخفي حلاق اسلامه؟
لعلنا نجيب في المقال القادم بعون الله