Warning: copy(/var/www/wptbox/wp-content/object-cache.php): Failed to open stream: Operation not permitted in /var/www/easywp-plugin/wp-nc-easywp/plugin/Providers/Redis/RedisServiceProvider.php on line 46
حلاوة في محراب الإمام | المركز الكندي للإستشارات الفكرية
Categories: مقالات

حلاوة في محراب الإمام

مهنا الحبيل

9/4/2023

يسمي البعض ميساساغا عاصمة المسلمين في كندا، وهي مدينة ضمن منطقة تورنتو الكبرى (Toronto GTA) حيث تستقر جالية كبرى من مواطني كندا المسلمين ومن المهاجرين لها، وبسبب هذا التواجد الإسلامي الكثيف، تتعدد المساجد والمراكز الإسلامية فيها بصورة ضخمة، حتى لا أكاد أنا شخصياً أن أُحصي عددها أو أُصلي فيها كلها. 

       وخلال خروجي إلى صلاة التراويح أشعر وكأنما أنا ضمن وفود حاشدة من السيارات، غالباً تتوجه إلى المساجد المتعددة لأداء قيام رمضان في بيوت الله، فاتجاهي إلى مركز الاناضول الإسلامي الذي أنشأه الأخوة الأتراك الكنديون وهم يديرونه، أو إلى مركز الجمعية الإسلامية الذي أسسه الأخوة الباكستانيون الكنديون، وهم يديرونه أيضاً، يصاحبني فيه قوافل عفوية عند دخول وقت صلاة العشاء، تشعر وكأنك في موكب لشعيرة روحية، من بيتك حتى المسجد. 

       وهذه أحد صفحات كندا الجميلة، التي لا تُعبّر بالضرورة عن كل الصورة، فهناك تحديات فكرية كبيرة ومعقدة، لكن هناك أوجه تسامح وانفتاح في جوانب أخرى، رغم صعود قوة الاسلامفوبيا، وتشديد جماعات الضغط المثلية السياسية ومناهضتها المتزايدة لقيم المسلمين، في التشريعات القانونية والتعليمية وغيرها. 

 ولذلك فإن رمضان موسم روح، تنطلق فيه من مواقف المساجد للسيارات، وانت تنظر زحف العائلات من حولك بأطفالهم، وغالباً ما أرى روح السعادة والنشوة تسعى بينهم، فروح الاحتفال الشعوري حاضرةً بقوة، إنه رمضان وقود الإيمان وشعيرة الإحسان وفرصة التجديد للقيم والأخلاق. 

       وهذا بالطبع لا يُلغي مأساة الوجه الآخر السلبي لبعض المسلمين، سواءً في احصائيات التورط في بعض السلوكيات والجنايات الخطرة، أو في فوضى الممارسة الخاطئة مع حقوق التعامل والأنظمة، والأهم من ذلك تصحيح حسن المقصد بين المسلمين بعضهم ببعض، ومع الآخرين، ولا يكاد يمر يوم إلا وينبه الأئمة عن مشكلة الوقوف الخاطئ، واغلاق الطرق أو التعدي على المواقف الخاصة، كدلالة لتجاوز آداب الشريعة، وحقوق الطرق بل واجباتها لكل الناس ولحقوق الأماكن. 

       ومع تدهور الأوضاع السياسية في المشرق، وتحديات اللاجئين الكبرى في تركيا، قبل وبعد الانتخابات، والوضع الاقتصادي العالمي، إضافة للمآسي السياسية في الشرق، وبالخصوص في الوطن العربي مشرقه ومغربه، فإن سؤال العودة إلى بلدان الشرق في ظل ما تعيشه مناطق المسلمين الأصلية، أصبح يُتداول بصورة أكثر واقعية، للبحث عن الحل في تثبيت التواجد المسلم، مع الحفاظ على قيم المسلمين، وهي مهمة كبيرة تحتاج إلى تعاون وتعاضد، وتخصصات مهمة في تقنيات الفكر والحوار، مع الشركاء في الدولة وفي المجتمع، باللغة الدستورية والقانونية التي تأسست عليها كندا. 

       وفي مركز الأناضول يؤم المسلمين إمام المسجد الأخ العزيز الشيخ رفعت محمد، وهو داعية إسلامي عريق وأزهري متمكن من القرآن ذو تلاوة جميلة، ويرأس مجلس أئمة كندا، وهو أحد التجمعات التي تمثل أئمة المساجد في اونتاريو وخارجها. 

واعتدنا في رمضان أن يندب الإمام أخانا العزيز الشيخ يحيى حوّى لإمامة التراويح، وهو المنشد الإسلامي السوري المعروف، فيُجمع للمسلمين في مركز الاناضول، الكلمة والموعظة القصيرة التي يقدمها الشيخ رفعت بعد أن يؤم بالناس العشاء، مع صلاة الترويح التي يُحييها أبو محمد يحيى حوى، بصوته الجميل ومقامات تلاوة الذكر الحكيم، الذي يُعين النشأ على تذوق القرآن، فتحتشد خلفهم الجموع وكأنك في احتفال مركزي ضخم. 

       وخلال الموعظة المختصرة التي يلقيها الشيخ رفعت محمد، لاحظتُ طفلة معتمرة بلباس الصلاة، الذي نسمّيه في الخليج العربي (جِلال الصلاة)، يُفصّلُ للأطفال ليؤنسهم دون أن يكون واجباً عليهم، ولكن يفرحون به كما آراه في أسرتي، فيُصلّي الأطفال دون توجيه وإلزام، بحسب مزاج طفولتهم المبهج. 

تقدمت طفلة بين الصفوف وانا أرقبها، ماذا تريد.. وهي تتوجه للمحراب، فإذا بها تُهدي قطعة حلاوة للشيخ خلال كلمته، فرح بها الشيخ واحتضنها ودعا لها، ليس باسمه فقط ولكن باسم كل المصلين. 

       إن الرمز القلبي العميق هنا، هو أن الطفلة أتت بتشجيع من والديها، أو بطلبها، لتهدي الامام رمزية أنسها في هذا المقام الروحي، وهي صغيرة لا تدرك معاني الأحكام ولا الصلوات، ولكن الشاهد عندي هنا، هو أن قضيتنا الكبرى هو في وصول روح الإيمان، وحلاوة استشعاره إلى الأجيال. 

 أجيالنا في المهجر وأجيالنا خارجه، فتكاد فتن الخطاب الإعلامي وغيره، تصل لكل البيوت اليوم، وهي حلاوة قلبية من المهم أن تصل لهم بقناعة عقلية في فضائل قيم الإسلام، تنبذ ما توطّن في بلدننا وأحوالنا من طبائع سوء وكراهية ومظالم، إلى دستور الاخلاق الحميدة، التي جاء بها رسول الإنسانية ومبشر رحمتها الكبير صلى الله عليه وسلم، ولطف بأمته لتنهض من كبوتها المؤلمة.

mohana63

Recent Posts

الحداثة الراديكالية وحياة المسلمين الزوجية

الحداثة الراديكالية وحياة المسلمين الزوجية مهنا الحبيل إن العبور إلى نجاة حياة الفرد ومن يعول،…

5 أيام ago

أحمد الشرع مع جو حطاب

أحمد الشرع مع جو حطاب مهنا الحبيل برزت شخصية القائد أحمد الشرع، بجاذبية حيوية للسوريين…

7 أيام ago

بين عقل الأكوان وعقل القرآن

بين عقل الأكوان وعقل القرآن مهنا الحبيل تأمل في توجيهات النص القرآني جيداً، في كل…

7 أيام ago

أحمد الشرع بين رؤيتين

أحمد الشرع بين رؤيتين مهنا الحبيل هل هناك مبرر لمخاوف البعض من كون هيئة تحرير…

3 أسابيع ago

تحجيم تفويض السلطة

متى يجب أن يسقط النظام؟ مهنا الحبيل إن نظام الحكومة ليس عقداً، بل قانون، والحكومة…

شهر واحد ago

العقل المعرفي..الفارق الفلسفي الإسلامي

العقل المعرفي.. الفارق الفلسفي الإسلامي مهنا الحبيل في رحلة الجدل الفلسفي المعاصر، تختط قواعد المقارنة…

شهر واحد ago