قراءة في كتاب خريف الخليج العربي

المؤلف أ. مهنا الحبيل
اصدار ٢٠١٩

” نلاحظ ونحن ندوّن مقدمة الكتاب بعد مدة من الذكرى الثانية للأزمة الخليجية، أن هناك ارتداد عكسي مستمر عند كل سقوط خليجي يتجه أثره على تعزيز الانقسام والتشرذم العربي”
مهنا الحبيل/لندن/2019
هذه الفقرة من مقدمة آخر اصدارات الباحث العربي أ. مهنا الحبيل في التحليل الاستراتيجي ، وهو الكتاب المكمّل لثلاثيته للخليج العربي، لافتة مع عنوان الكتاب_ خريف الخليج العربي_
وتدعو للتأمل في الخريف الذي ضرب الخليج هل بقى أثره فيه أم كعادة الأرض العربية لا تنفك من “اذا اشتكى عضو منها تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
كما هي معظم كتابات أ. الحبيل في المسار السياسي تسعى للتوثيق، جاء هذا الكتاب راصدا للتحركات السياسية الخليجية وارتباطاتها الاقليمية والدولية.
خلال الفصل الأول يطوف بنا الكاتب على مدى عامين مستعرضا الجغرافيا الحزينة من الخليج الى المحيط، يتوقف في المحطات النازفة والموتورة، فتقرأ الاحداث بتواريخها في مدن عديدة-ليبياتونسالجزائر-الخرطوم-صنعاء-دمشق…
وترى حجم التشابك السياسي في سماء الأرض العربية.
فمابين محوري التشدد والتفاهم في ملف الازمة الخليجية، يظل السؤال من يحصد المكاسب في هذا البؤس غير المتناهي؟
سوريا التي ساهم الداعمون جميعهم في مجزرتها، واليوم يُنهى ملفها بتسوية مصالح لا يُحسب حساب أهلها فيها؛ الكل يقتات على مائدة الدم السوري، بينما يُبعد العرب، بعد الصدمة من، حجم تعويلهم على واشنطن في تحجيم طموح ايران.
ليبيا والتقاطع الدولي على سمائها وارضها الخيّرة، ومعارك الخليج التي تُدار فيها، كل هذا ومازالت تُصاغ أدوات التوحش باسم السلفية وتوظّف.
اليمن وملفات الضياع بين الاطماع والشرعية الضعيفة، مع السنين العجاف التي تُنهك اجساد أهلها.
هذه نماذج من صور البؤس ، وزيادة وقعه بفعل التشرذم الخليجي ونقله لصراع محاوره في كل ملف متوتر وساخن.
فماذا لو اجتمع العرب على هدف اصلاح واقعهم الفكري والسياسي، وجلسوا على طاولة حوار واقعية تفرد لكل دولة منهم حيزها الخاص في الفكر والبناء الذاتي، ومن ثم يعملوا على التكتل كوحدة تجمعها تقاطعات المصالح؟!
يفرد الفصل الثاني للحادثة الشنعاء التي هزّت كيان الانسانية ونخرت وجدانها؛ حادثة اغتيال الشهيد جمال خاشقجي.
يتتبع الكاتب هذا الملف ويكشف لنا البازار الرخيص للساسة ومصالحهم على دمه الطاهر.
كما يفتح هنا الملف الداخلي السعودي، متسائلا:
“هل بعد هذا المنعطف، يُنهي النظام سياسة القمع وتغييب الإنسان، ويعلن إفراجاً شاملاً عن المعتقلين، هل لديه مساحة لإيقاف هذا التصدّع ومواجهته، هل يلتفت للبناء الديني والاجتماعي والحقوقي والفكري في البلد؟”
هذا هو البعد الثالث الذي نادى وينادي به أ.الحبيل كثيرا.

أما الفصل الثالث عنوانه يعكس ما يُثيره من شجون لدي الكاتب ” الملف الخليجي_الخليجي..السبحة المنفرطة”
لا يمل أ. الحبيل من ترديد مابين أهل الخليج من أواصر اجتماعية ومشتركات ضاربة في عمقها التاريخي ومتجاوزة لمفهوم الدول السياسية.
وقبل الأزمة كان كل توتر في الملفات السياسية ينحصر غالبا فيها، ولايضرب الابعاد الاجتماعية كما فعل التجييش من محور ابوظبي وما وصل له من تردي أخلاقي لم يعرفه الخليج، ولم يُعرف عن أهل الخليج من قبل.
في هذا الفصل يجد القارئ تفاصيل عن نظم الحكم، وعن تقاطعات البُنى السياسية وخلفياتها الفكرية، كما يجد نداءات الكاتب بالإصلاح وضرورة الوعي المعرفي لبناء الشعوب بمكون مجتمعها المدني ومفهومه الضامن لعدم الهشاشة ووظيفته كمصدات دفاع عند المحن فيقول:
” إن من الخطورة بمكان، أن يُعتقد أن قيم المواطنة الحقوقية، وتعزيز الحقوق الدستورية الضامنة للكرامة الفردية، هي بناء هش للولاء الوطني، بل هي ركيزة مطمئنة، تعبر بها الأجيال نحو نهضتها المعرفية، لتكون رافدَ بناءٍ قومي متميز، بالتعليم والوعي والتقدم الحضاري، باسم المواطن والوطن بكل أركان كيانه وشرائحه”.
ختام الفصل عنوان فرعي لافت “وهم الوحدة الخليجية والأمل الواقعي”، عن مفهوم التكتل الخليجي من الزاوية الثقافية والفكرية، وكيف أن غالبية النخبة من أهل الخليج تمسكوا بالحد الأدنى منه رغم فشل المشاريع السياسية، فماهو الموقف اليوم؟
يقترح هنا مسارا ثالثا ايضا بين كل التيارات، كي يضعوا يدهم جميعا على مسودة اتفاق تحافظ على معنى سلم أهل الخليج المجتمعي الذي بتماسكه يساهم على عدم وضع امتداده العربي الكبير في مهب الريح، ومن ثم يتقاطع مع اخوته في الاقليم تحت مظلة الاسلام الكُبرى؛ يرى أ. الحبيل في هذه الشبكة تكتل يحفظ الجميع ويحد من التغوّل الغربي المهيمن.

الفصل الرابع تناول فيه مواسم التقاطع الايراني الأمريكي في الخليج، وهذا محور كتب عنه أ. الحبيل سابقا واهتم به بصورة عميقة حتى افرد له كتاب صدرقبل عدة سنوات.
لكن تأتي هنا مناسبته بسبب الأزمة التي جددت موسم التقاطع وحصد منها الطرفان من أموال أهل الخليج.
يوثّق الحاضر مستندا على التاريخ، عن كيف وًضع الساحل العربي للخليج في هذا المستوى من العجز والضعف.
وكالعادة لايمكننا الانتقال من الفصل، دون معرفة الطريق الثالث المقترح، والذي جاء عبر اطلاق مبادرة حوار فكري عربي/ إيراني مستقلة؛ فللقوميتين مايجمعهم بعيدا عن دواوين السياسة وتوظيفها للطائفية.

أفرد الفصل الخامس للعلاقات القطرية السعودية بصورة خاصة، وهذا مفهوم لمن قرأ الكتاب السابق “نكسة حزيران الخليجية” حيث كان ومازال أ. الحبيل يرى مبادرة الحل بفك الاشتباك الثنائي بين الدوحة والرياض؛ فبين الاثنين الملفات التي تمت اثارتها كجذور للأزمة، وبين الاثنين سبيل وضع تفاوض حولها؛ على أن يكون فك الاشتباك بعيدا عن ابوظبي التي لم تتورع في ادنى مراتب السقوط الاخلاقي مع الدوحة.
الفصل يحمل توثيقا يُفهم منه ثبات خطوات الدوحة وحرصها على فك الاشتباك، وهي في موقف قوة وتماسك، كما يحمل توثيقا للتذبذب في موقف الرياض، التي يرى أ. الحبيل أن أولى بوادر تعافيها وعودتها لثقلها الذي تستحقه كالدولة الكبرى، يكون بعزل قرارها من قرار ابوظبي.

كما تناول مستقبل العلاقات الخليجية التركية، في ظل التوتر مع الرياض، وكيف يمكن لعلاقات الدوحة هنا من المساهمة في احتواء الموقف؛ وفقا لمسار أ. الحبيل الثالث كما هو الوضع مع ايران
الفصل الأخير أفرده للعلاقات الخليجية الماليزية؛ فكما اسلفنا الكتاب توثيقي، وفرضت احداث ماليزيا الداخلية الأخيرة نفسها بتقاطعاتها مع الخليج وأزمته.
الفصل حمل موجز للداخل الماليزي، مع تسليط الضوء على العلاقة التي ولدت بين قطر وماليزيا، في ظروف جديدة للدولتين وكيف يمكن ان تُصنع منها بوابة أمل للواقع العربي ليستفيد من تجربة النهضة الماليزية.
نختم بما ختم به الكاتب:
“نحن على عتبة باب كبير لتجاوز الأزمة التي كانت بحق خريفا، من المهم إعادة الوقوف أمام محطاتها وفهم تلك الحالة وماتزامن معها، كسجل تاريخي توثيقي للشعب العربي في الخليج وخارجه، وللمساهمة في تدوين مذكرات أولية يُهم بعدها أين ستتجه رياح الخليج بعد عاصفة الفوضى.

الخنساء