دمشق بين الحسم السيادي والمسار السياسي
مهنا الحبيل
3/8/2025
في المقال السابق سلطنا الضوء على مشروع فصل السويداء في الإستراتيجية الإسرائيلية، والذي يؤكد أن قضية أخطاء الدولة لم يكن لها دور في أصل المشروع، وأن هجوم الجيش الإسرائيلي على الأمن السوري، كان لمنع بسط سيادة الدولة، فالرغبة مُدّت لتل ابيب من داخل السويداء مبكراً، رغم أن بعض الزعامات الوطنية للأخوة من دروز السويداء، كليث البلعوس رفضت الدعوات المستمرة للانفصال، ولم يكن الدمج لبعض المجتمع الدرزي من داخل فلسطين المحتلة، مع جماعة الهجري ليتم، دون خطة صهيونية مسبقة.
ولكن في الساعات التي سبقت التدخل الإسرائيلي، عادت بعض المجموعات المتطرفة، التي كانت مندرجة داخل المؤسسة العسكرية الجديدة، أو مرتبطة معها بحكم أن فصل القوات وتنظيمها في ألوية منضبطة لم يكتمل، وكررت مع الأسف الشديد بعض الأعمال الشنيعة والتعدي الحقوقي، التي مورست على الأبرياء المدنيين في السويداء، وكانت قد وقعت من قبل، خلال محاولة انقلاب الساحل بعد ذبح شباب الأمن العام، ثم جاءت ردة الفعل الشعبية من بعض العناصر الفوضوية، بشعةً في المدنيين العلويين، والذي سُلط عليه الضوء في الحالتين دولياً، واستخدم كأداة ضغط على السلطة الجديدة.
ورغم أن الجرائم التي نُفذت ضد العشائر البدوية السنية أكثر، بحسب ما رُصد، إلا أن تسليط المجهر على علاقة الدولة، ومسؤوليتها على أي جرائم تمارس ضد الأقليات يركز عليه، أكثر من بقية الضحايا. ومنطقنا المبدئي الحاسم، هو رفض أي سلوك إجرامي، أو خطاب ساخر أو إذلال يتعرض له كل إنسان أياً كان دينه ومعتقده وعرقه، ومن الواضح أن آثار عهد النظام الإرهابي باتت مشكلة اجتماعية عميقة، تحتاج الى معالجة مركزية متدرجة.
غير أن تكرار اختراق هذه المجموعات يرتد بصورة كبيرة، وخطرة على مستقبل الدولة، ومن هنا كان لا بد من مراجعة شاملة ودقيقة للبنية الفكرية التي يعتقدها الشباب، وإطلاق عملية تأهيل فكري وسلوكي وثقافي، حتى يتم حصار الأفكار المتطرفة، التي ترتد سلوكياتها على الجيش والأمن نفسه، سواءً في ردة الفعل من بعض المجموعات، أو في دعم فتح باب التدخل الأجنبي وخاصة الصهيوني، والذي ذهب ضحيته المئات من الشباب، خلال ساعات من قصف الطيران الحربي الإسرائيلي، بعد أن خُدعت دمشق في اتفاق باكو، فغُدرت في لحظة حرجة.
وهنا يظهر لنا جلياً أهمية أن تتخذ الدولة، مسار حسم في قضية السيادة، فتقسيم سوريا هو في الحقيقة احتلال جديد مبطن، يهدم ما تبقى منها ويحولها الى جغرافيا أقاليم متصارعة، لا تهدأ فيها رياح الفتن والاشتباكات، وبسط هذه السيادة ليس بالأمر السهل، والوسيط الأمريكي يستغل ضعف قدرات الدولة ونشأت الجمهورية الحرة، لدمج مطالبات التطبيع، مع تفاهمات وقف التدخل العسكري الإسرائيلي، وهناك تساؤل مشروع عن حجم ما قدمته دمشق في مفاوضات باريس وغيرها، حيث عُقدت أكثر من جولة، تستغلها الإدارة الأمريكية والحكومة الصهيونية، في تعويم المشروع الإسرائيلي وبُعدُه الاستيطاني على سوريا.
فيما تؤكد الحكومة في دمشق أنها تخوض هذه المفاوضات، في مأزق حرج للغاية لتأمين السلم الأهلي السوري، والبسط السيادي، والحقيقة أن الموقف معقد للغاية، ففي حين قد تجد أن هناك اندفاعات متعددة في المفاوضات من دمشق، تبصر الدولة على الأرض السيف المسلّط على رقاب القوات المسلحة، والأمن العام.
ومحاولة الرئيس الشرع اجتناب خسائر بشرية كبرى في صفوف العسكر السوري الممثل للدولة، قضية تحسب له في ظل السقف المفتوح للكيان الصهيوني.
المسار السياسي:
إن مسؤولية الدولة هنا، هو في النظر للجانب الآخر من إدارةإ الدولة، وخشيتها وخشية شعب ثورة سوريا من أي انقلاب مفاجئ للأوضاع، يُسلب فيه حلم الحرية، وخاصة الغالبية وأملها في وطن سيادي مستقر، يفتح آمال ما بعد النصر الى دولة نهضة وتنمية، أمر لا شك في تقديره.
غير أن من الخطأ أن يبقى هذا الدافع العاطفي القلق محفزاً للانغلاق مع الشريك الوطني، والمشكلة هنا هو أن الدولة ترتكز سلطاتها وممثليها في شريحة من الثوار، مع برنامج استقطاب خاص من محيط الرئيس لبعض شخصيات العهد السابق، وما ترتب عليه من مشاعر غبن متزايدة بين سوريي الثورة نفسها.
وهو ما يجب أن يُحل عبر توسيع قاعدة المشاركة الشعبية، وفي احتواء المختلفين على نموذج إدارة الحكم، ولكنهم متفقين على السيادة، وحتى على المركزية الاضطرارية، وهذا يحتاج لتفعيل مسار سياسي لا يجوز أن يبقى معطلاً، بحجة معارك الحسم، فتحريكه وحسن إدارته تدعم ضرورات الحسم الإستراتيجي، أما الأمر الآخر المرتبط بالمسار السياسي، فهو ضبط خطاب الرأي العام بأقصى قدر ممكن، والتذكير بالمعنى الوطني الجامع، فلا يمكن أن تهدأ الأنفس، ولا تندرج المجتمعات في سلم أهلي دون ميثاق مجتمعي، يسبق الدستور النهائي للوطن الحر الجديد.
السياحة والنظافة والحضارة مهنا الحبيل بدت لي أزمير محطة مهمة لبدأ الرحلة التركية البرية، كان…
السياحة الفكرية في تركيا مهنا الحبيل تأخرت رحلتي السياحية بين المدن التركية عشرة أعوام، حيث…
الأخلاق والعقوبة بين برنارد ماندفيل والفاروق عمر مهنا الحبيل يستشكل البعض في توسيع رؤية المقاصد…
سؤال الدولة الإسلامي والاستئناف الفكري مهنا الحبيل وقفنا في إعادة تحرير النموذج الماليزي على سؤال…
أبو بكر الصديق في عالمنا اليوم مهنا الحبيل إن العودة للحياة الإسلامية الأولى، وخاصة الصدر…
المرجع الأخلاقي للعالم الجديد مهنا الحبيل إن المقياس الذي يعكس بدقة، حقيقة الكوارث التي يعيشها…