مهنا الحبيل
10/12/2023
سأحاول أن امزج بين ما يبيحه الحق، وما تأمر به المصلحة، لكيلا يُفصل بين العدل والمنفعة مطلقاً.
روسو: مقدمة الباب الأول للعقد الاجتماعي
هل توقفت عند هذه الروح الجديدة المنطلقة بكل قوة في الغرب، لتتضامن مع غزة، وكيف تَصنع أدوات ضغط من أقلية استيقظ ضميرها، رفضت الرواية الأمريكية والأوربية والصهيونية، عن المذبحة، أين سر هذه القوة في فعالياتها، لماذا تخشاها القوة الامبريالية في النخبة السياسية وفي النظام الإعلامي الشرس.
بالمقابل هل توقفتَ عند حجم الفراغ في حقوق الفرد السياسية في الشرق المسلم، وفي ثقافته التي عجزت عن تحريك أي قوة ضغط على حكامه ودوله لوقف العدوان، فقط لوقف العدوان لا لمعاقبة الإجرام النازي!
هل هناك قصة أخرى في أصول التكوين الحقوقي في الغرب، رغم كل اختلافنا معه نحتاج أن نتوقف معها، هنا محاولة للبحث عن سؤال هذه القصة الحزينة.
يفتتح روسو جدله عن التشريع الحقوقي السياسي بصيغة اعتراضية مفترضة، وهو لماذا ينتقل إلى عالم السياسة، وهو ليس مشترعاً، (أي عضواً برلمانياً) وليس أميراً (ضمن طبقة النبلاء ذوي السلطة في جمهورية جنيف أو فرنسا حينها)، ويرد على السؤال الإعتراضي المفترض، بأنه لو كانت له سلطة أو قدرة على التشريع، لما كتب هذا العقد، ولمارس من خلال موقعه الدعوة لهذا التغيير.
وهو تغيير في حياة روسو يعني ثورة، ولذلك التقته الثورة الفرنسية بعد رحيله، لكن وكما بيّنا من قبل، فإن مآلات الثورة الفرنسية ونماذج أخرى تأثرت بروسو في أمريكا وأوروبا، تحتاج لمراجعة نقدية وفقاً لمعاييره هو شخصيا، ثم ما فشل فيه وفشلت فيه الحضارة الغربية في سقفها الحداثي الأخير.
يستأنف روسو دفاعه هنا بالقول بأنه ما دام قد وُلد حراً في دولة حرة، فهو يُحرّر واجبه كعضو لجهة السيادة، والسيادة عند روسو هي الإرادة الشعبية، ويُقرر بأن الإنسان الذي ولد حراً هو مقيدٌ في عالم اليوم، (عالم روسو) رغم أنهُ – أي إنسان أوروبا – في حينها، بحسب ما يراه روسو مجرد عبدٍ مقيّد في كل مكان، وهو هنا قد يُشير إلى مفهوم الإنسان العالمي، لكن هذا الإنسان في الجزء الجنوبي الضخم من العالم، ظل في هامش التفكير الفلسفي إن لم يكن ضحية له، في تاريخ الفلسفة الغربية.
ويُدلل روسو على وجوب ممارسة هذا الحق، وهو التدوين الدستوري للتعاقد الاجتماعي، لأن النظام الاجتماعي، وهو حياة الأفراد والمجتمعات في سبيل المنفعة التي يقرها الحق والعدل، هو حق مقدس يَصلح كقاعدة لجميع الحقوق، وما دام لا يصدر عن الطبيعة، وإنما على العهود التي يقطعها الناس على أنفسهم، وتنظم قوانينهم، فلا بد من تشريع هذه العهود، وتحويلها إلى نظام قانوني نافذ، يحقق المقصد الذي حدده روسو للنظام الاجتماعي.
حسناً إن هذه المقدمة الثورية التي ذكّر بها روسو في مقدمة الباب الأول، تحتاج إلى مناقشة وتحرير فكري، جزء منه في رصد المسيرة الحضارية الغربية، منذ انطلاقة فقه التشريع الدستوري، وتحريرات التعاقد الاجتماعي التي سبقته، وهو ما تابعنا تاريخه في خارطة روسو المعرفية والذهنية.
والثاني في تجريد مبادئ روسو وتحريراته، في رحلة الاستغراب معه، التي نبعث محاولتها هنا لفهم أثر هذه التشريعات، وقبل ذلك أصل فكرتها الفلسفية في العالم الجنوبي الآخر، وبالذات في الشرق وحاضر العالم المسلم.
إن هذا يطرح لدينا أسئلة كبرى نحاول أن نحصرها، قبل المضي في عالم التشريع الدستوري:
فهل المنطلقات الإنسانية البحتة لطبيعة الذات الإنسانية، في عالم الوجود الأرضي، وفي خصوصية الإنسان ككائن عاقل أخلاقي، وهو التعريف الذي يُستخلص من المفهوم الإسلامي للوجود وسر الاستخلاف، خلافاً للمفهوم الدارويني، هل هو مشترك بين عالم الإنسان في كل مكان.
وهل تاريخ تشكل الذات الوجودية للإنسان متفقة بين الغرب والشرق، أم أن إنسانه مختلف، وهذا قبل التأويلات الغربية المتطرفة في تفسير المادة وهيمنتها، وقرار إعدام الروح، إن الجواب هنا المتفق عليه في طبيعة الخلق البشري الفطري، هو أنها طبائع متحدة أينما كان إنسانها.
فإن كانت طبائع متحدة في أصل الخلق، فمؤثرات النظام والقانون والتشريعات المعتمدة على القوة، مؤثرٌ أيضاً في الشرق كما حصل الغرب، حسناً..
رغم كون هذه التشريعات التي تقهر الإنسان باطلة وظالمة، فإن القوة التي تفرضها، استطاعت أن تُخضع هذه الشعوب، زمناً طويلاً ومنهم شعوب الأمة المسلمة قديما وحديثاً، فهل ارتضى ربنا عزّ وجل الظلم والقهر والجور، للأمة التي حملت رسالة الأنبياء الأخيرة، في البلاغ عن قصة الوجود، وضرورات التعبد والاستخلاف العمراني لمصالح سكان الأرض؟
للحديث بقية