Categories: مواد فكرية

سارتر.. سقوط الوجودية الشهوانية

مهنا الحبيل

13/12/2022

من الصعب أن تشرح حجم الصدمة التي تغشاك كباحث في الفكر، حين تكون المادة التي تتحدث عنها تتجاوز كل الفظائع الدنيئة، والطباع الشهوانية الحقيرة التي تطفح فيها، ليس كسلوك شخصي عَبَر به هذا المفكر أو ذاك الفيلسوف، ولكنه غطاء عُمر، وحالة حياة ونمط سلوك، ظل يعيشه ويحفّزه، حتى عجزت قدرته، وخاصة أن مستوى البذاءة والعلاقات الجنسية المتواترة والمتعددة، في رحلة تلك الشخصيات، هي مما يستحي أدب المقالة الفكرية من نشرها.

       ولذلك سأكتفي بما يمكن أن يُعطي الدلالات المهمة، لعودة العبور العربي، والعمق الإسلامي الإنساني، لتقييم تكل الكتل من الأفكار وبالذات أننا نتحدث عن نبي الوجودية المعاصرة، بول سارتر، وعن رسولة الراديكالية النسوية سيمون دو بفوار، وهو ما أعاد واجب التشريح التفكيكي لهذه الفلسفات، وخاصة ميلادُ أفكارها، وثوراتها الثقافية، وسط هذا القعر.

 وتأثرها بهذه الحياة التي لم تكن حياة داعرة فحسب، بل كانت هيمنة اللذة الشهوانية، وتفجير نزواتها والصراع فيها وعلى ضحاياها، السمة الأبرز في الحياة الشخصية والثقافية معاً.

       حيث يتضح لك آثار هذه التفاعلات والشبق الجنسي، وقهر الضحايا، والذين اصبحوا شركاء فيما بعد، حين صُنفوا أنهم من أسرة سارتر وخلية رفاقه الوجودية، ونحن هنا حين نتحدث عن كتاب هازل رولي (سيمون دو بفوار وجان بول سارتر وجهاً لوجه الحب والحياة) فليس هذا الكتاب لصديق مر بهم، أو عايشهم بعض الوقت، ولا وثائق سرية نشرت عنهم، إنه مجموع رسائلهم الخاصة، المعترف بها، ومذكرات ورسائل مريديهم وعشاقهم وعشيقاتهم، التي جاءت لتشرح مواقفهم، وتسجيل انطباعاتهم عن رحلتهم في عالم سارتر بالدرجة الأولى، ثم بفوار.

       أي أنك هنا خارج مسألة التشكيك في المصادر، فأنت تتحدث عن ملفات اعتراف ضخمة، تكشف أسرار تلك البيئات، التي ولدت فيها أيدلوجية وصلت لكل العالم، ومن ذلك الحين إلى الآن فهي فخر للتاريخ الفرنسي والأوربي الحديث، ولسنا هنا نتحدث عن أفكار إنسانية رشيدة، ولا مواقف إيجابية مثّلها اليسار الفرنسي الوجودي، فيما يتعلق بإرث الاستعمار، وقضية الجزائر مثلاً.

       رغم أنها في الذكريات المشار إليها، دائماً تكون في هامش الفكرة الكلية للعقيدة الوجودية، وخاصة في اختبار سارتر واسرائيل، الذي غضب منه ادوارد سعيد، سنأتي على ذكره في حينه، فمشروع سارتر من خلال حياته ورسائله، كان بين هاتين الفكرتين، الشهوانية المجنونة الهستيرية، ودمجها بفكرة الفردانية المطلقة، وكان قاعدة كلا الأمرين هو العدمية، (من أنا كإنسان وما يحكمني، وكيف أعيش حريتي، دون أي مدار أو سياق أخلاقي).

       لقد وثّق الكتاب حالات عديدة شملت حياة روسو وبفوار، كانت تعتمد منذ البدايات، على استقطاب الشباب، وبالذات الفتيات، وكان سارتر في حالة صعود منذ بدأ حضور خطابه وجاذبيته، التي كانت تسري في الشباب، والذي وضح فيه حجم الفراغ الأخلاقي، الذي يعيشه المجتمع، منذ الثورة الفرنسية، فرغم وجود ما سمي بالأخلاق الكاثوليكية، إلا أنها كانت ضعيفة، فالميراث الذي تركه صليب الكنيسة وسيف المستبد، ينتقل إلى الأجيال الجديدة، الباحثة عن المزيد من الحرية.

       والغاضبة من هذا الميراث والمتسائلة عن أين الطريق الجديد، للحياة المدنية، في ذلك الحين صعد اسم سارتر، وقُرنت به بفوار كشريكة وعشيقة ورفيقة درب، وكان لكل صفات بفوار مع سارتر حكاية خاصة،  صنعت أزمتها النفسية الضخمة، التي أبكتها مراراً، وهي تحتاج لتفصيل مهم، لقد كان منهجاً عاماً وليس حالة فردية، ومنها كيف كان سارتر أو بفوار يتعاملون مع الشابات المعجبات بفكرهم، التي كُشفت في رسائل سارتر المهمة، والتي نُشرت عبر أرشيف بفوار بكاملها، بعد تنفيذ ابنة بفوار بالتبني لوصيتها بعد موتها، بما فيها من مهرجان فضائحهما.

       أي أنهُ أرشيف مباشر، يعكس خلفية الحدث والموقف في تلك الحياة الخاصة، الخصبة والمتفاعلة، في حياة سارتر، عن كل فتاة انضمت لفريقهم الخاص، فقد كان المدخل هو التعرف على فلسفة سارتر الوجودية، لكن سارتر ومنذ البداية كان يُقيّم المقبلات عليه جنسياً، ونقول جنسياً وليس عاطفيا، فليست واحدة ولا اثنتان، ولكن وكما اعترف بذلك في مقابلة، أنهن عشر، وأنهُ كان يُسيّر حياته بينهن بالكذب، هكذا قال، وقال حتى بفوار كنت اكذب عليها.

       ومن الضروري بمكان أن نُشير هنا، إلى أن حساب الكذب والتزوير أو التدليس في الحقائق، الذي تحققت منه هازل رولي، يُبرز حجم الحقيقة المغيبة، التي تختلف بين ما نشرته بفوار وسارتر في مقابلاتهم، وما بين الحقائق التي عايشوها على الأرض.

 كان سارتر يضع خطة في مخيلته لجذب الضحية، إلى الإعجاب به، وغالباً ما تستهويه العذارى من الفتيات، وخلال هذه الخطة يُمارس عليهن الإغواء والنقد المستفز، حتى يفتض بكارتهن، ويحتفي بذلك في رسائله إلى بفوار، وإن أخفى عنها أو كذب عليها في تفاصيل أخرى، وخاصة في رغبته المتكررة، في استثمار أكبر قدر من الزمن، مع العشيقة المحظية ذلك الموسم.

لكن كيف يفعل ذلك مع بفوار رفيقته الأولى؟

       أول قواعد الوجودية التي قذف بها بقوة ساتر في وجه بفوار، هو أنهما لا بد أن يمارسا الحرية الفردية المطلقة، وبالذات في الانخراط غير المحدود في عالم الجنس، وحتى يُدربان الذات على ذلك، اقترح عليها أن تخبره بكل تفاصيل علاقاتها، وهو يفعل، وقد تم ذلك لكنهما بقيَ يكذبان في زوايا أخرى، وبعض الحالات كانت تستقطبها بفوار، في لحظة هوس الشابة بشعوذة الوجودية واللذة، وتدخل معها في ممارسة سحاقية، ثم تُهيء الطريق لسارتر، حتى ينهي حياتها العذرية ويتخذها خليلة، قبل أن يتراجع موسمها بسبب اخرى، وهذا موثق في الرسائل.

كانت تلك بداية أزمة بفوار التي انفجرت بعد ذلك، ليس ضد سارتر ولكن ضد المرأة والأنوثة.

mohana63

Recent Posts

العقل المعرفي..الفارق الفلسفي الإسلامي

العقل المعرفي.. الفارق الفلسفي الإسلامي مهنا الحبيل في رحلة الجدل الفلسفي المعاصر، تختط قواعد المقارنة…

4 أيام ago

أفق السلام الكردي_التركي

أفق السلام الكردي-التركي مهنا الحبيل أياً كانت القراءات المختلفة، لموقف دولة بهتشلي القائد القومي التركي…

4 أيام ago

فرض الديمقراطية الدموية

فرض الديمقراطية الدموية مهنا الحبيل يفكك روسو التحديات التي تواجهها السلطة الاشتراعية، وخاصة كونها القوة…

4 أيام ago

أصحاب الظرف الخاص في مجتمعاتنا العربية

أصحاب الظرف الخاص في مجتمعاتنا العربية مهنا الحبيل هل توقفت يوماً عند ذلك الطفل، الذي…

4 أيام ago

رسالة للزواج الجديد

رسالة للزواج الجديد مهنا الحبيل يبدو عنوان البرنامج الوقائي، لوازرة التنمية الاجتماعية في قطر، مهم…

4 أيام ago

الديمقراطية التي تحمي السيادة

الديمقراطية التي تحمي السيادة مهنا الحبيل يعرضُ روسو لطبائع الشعوب وما يُلائمهم من حكومات، كسلطة…

4 أيام ago