مهنا الحبيل

27/12/2022

لقد تغير فيكتور كثيراً منذ أن قابل سارتر اول مرة، ومثله مثل العديد من الماويين السابقين، فقد تحول إلى الرب، رب إسرائيل نظراً إلى أنه يهودي.

سيمون بفوار عن بيني ليفني (فيكتور) سكرتير ساتر

أعادت هازل رولي في عرض رسائل حياة روسو وبفوار، موقف سارتر من قضية فلسطين المحتلة، وبالتحديد تشريع التواجد اليهودي فيها، وقيام الدولة الصهيونية، ولقد نقلت في كتابها، تعليقات إدوارد سعيد على مشهد سارتر في المحفل الذي دُعي إليه من سارتر شخصياً، وغضب سعيد من سكرتيره فيكتور، في تغطيته على حضور سارتر المريض.

       وسبق أن كتب سعيد مقالة نقدية عن موقف سارتر، إلّا أنه كان ضعيفاً، في مقابل ما كشفت عنه رسائل بفوار، ولو قُدّر لسعيد أن يطلع على هذه الرسائل، لربما إتخذ موقفاً اكثر استقلالاً من اليسار الوجودي، الذي خدمه سعيد وتقاطع معه، باسم النضال العام ضد الكولونيالية، وهو ما أجزم بتفاوته الشديد في نماذج سعيد وفرانز فانون، وفريق الوجودية الفرنسية، وهو مسارٌ مهم لرحلة الاستغراب العربي المؤجلة.

       أشار سعيد لطريقة الأكل المثيرة للشفقة لسارتر المريض، للإشارة بأنه كان تحت سيطرة بيني ليفني واسمه المستعار– فيكتور-، والذي ساهم في ضخ الدفعة الأخيرة لتصريحات سارتر، والمقابلة التي نشرتها الصحافة الفرنسية، في آخر حياته، وحملت تقريعاً ساخراً من ليفني خلال توجيه أسئلته لساتر، بما فيها اعتذارية سارتر وتقاربه مع الفكرة الصهيونية.

       وبحسب نقل رولي لرسائل بفوار، كانت هذه إحدى أهم القضايا التي قسّمت أسرة سارتر، حيث كان تكتل ليفني مع ابنة سارتر بالتبني آرليت إلكايم، ضد بفوار، وشككوا في دوافعها لمراهنتها دوام السيطرة عليه حتى آخر حياته، وإلكايم هي من أسرة يهودية أيضاً، وقد ردّت على بفوار، من حيث أن تلك المواقف والمساحة، التي خرج بها ساتر إلى المسرح رغم مرضه، كانت مواقف حقيقية، وكان الصراع قد امتد على ارث ساتر الثقافي، إضافة إلى مآل حقوق النشر، وما آل من ثروته لابنته بالتبني.

       والميراث الثقافي أي أوراق سارتر الأخيرة، حرصت عليها بفوار، غير أن الخلاف الشرس بينها وبين إلكايم وليفني، منعها من الوصول لها، وهو ما دفع بفوار إلى نشر كتابها عن سارتر بتفاصيل خطيرة، والأهم رسائلهما التي كانت في عهدتها، مع كل الفضائح والفظائع التي حوتهما، والأحاديث السرية عن الآخرين، من أعضاء الاسرة الوجودية الخاصة لسارتر.

       غير أن وصف سعيد للسبب بأن الأمر كان بسبب رجعية ليفني، لم يكن إلا جزءً من الحقيقة، فلقد كشفت الرسائل أن سارتر كان فزعاً من أن تنجح الجيوش العربية من إسقاط إسرائيل 1948، وحرص على أن تذهب بنته بالتبني إلى القدس حيث يعتقد ميلاد هويتها، بل إن سارتر اتصل على رئيس تحرير الصحيفة الفرنسية، بعد أن حاولت بفوار وقف نشر اللقاء، وقال بموقف صارم هذه أرائي الحرة، وإن لم تنشرها أنت، فسأنشرها في صحيفة أخرى.

 كان السياق الفكري والسياسي لتأييد اليهودية العالمية قوياً، في ضمير سارتر، لكنه كان يختبئ خلف تعارضه، مع موقف النضال العالمي الموحد، الذي كان يستقطب أمماً عديدة في افريقيا والوطن العربي، وآسيا وغيرهم، وكان يقترن بقضية فلسطين، كجزء من الدلالة الأخلاقية على بغي الرأسمالية العالمية.

       لكن سارتر لم يشأ أن يُظهر سر تقاطعه، مع هذه الكولونيالية الغربية وحنينه للذات اليهودية، وبالعموم هناك اشتباك متعدد تحولت فيه أفكار حشوداً من اليساريين الغربيين وليس الماويين فقط، إلى مواقف دعم لتل أبيب، في ذات الوقت رفض بعض المفكرين أن تُشرعَن اليهودية العالمية، ويُزكّى ميلاد دولتها على حساب الحقيقة.

 ودعوني أطرح موقفاً صريحاً هنا، وهو أن صحة الموقف من فلسطين، لا يجوز أن تجعل العربي مرهوناً بهذه النخبة، وتزكية الانحراف والتدمير الفكري، الذي تسعى به هذه الشخصية أو الأيدلوجية، وخاصة أن الوجودية الحديثة، ومثليتها القهرية تتستر بقضية فلسطين في الوطن العربي، وهي تُنفّذ عملية إسقاط كامل للمجتمع العربي، وتنشر الفردانية المتوحشة ضده، حتى أصبح الحديث عن فلسطين، طقوس رقص وفلكلور مزيف، تُضلِّلُ به الحداثة في ثوبها الوجودي شباب فلسطين وبقية العرب.

       تعود بنا الرسائل أيضاً، إلى غضب بعض رفاق سارتر وخاصة عشيقته السوفييتية، التي نَظّمت له سلسلة من المحاضرات لصالح إتحاد الكتاب في موسكو، حيث رأت أن مواسم مدحه المتكررة للسياسة السوفييتية الشيوعية، تحمل كذباً صريحاً، وأنها هي بذاتها استقالت من اتحاد الكتاب، لكنه برر لها بأنه يحرص على بقاء علاقاته مع موسكو الشيوعية، لتسهيل اصدار تأشيرة زيارتها لباريس، لقضاء وقت حميمي مع سارتر، وأيضاً اعتذر بأنه لا يُحب أن يُصرّح بموقفه ضد البلد المضيف.

       إن مساحة سارتر في الكذب التي كُشِف عنها بكثافة في رسائله، تعيد فهم موقفه الحقيقي من القضية العربية في فلسطين المحتلة، لتضعها تحت المجهر، ورغم أن قيمة العرب كشركاء نضال وجغرافيا لليسار، كانت واسعة، إلا أنها لم تكن ذات أهمية، حتى في الحديث عن الجزائر، (قارن ذلك بموقف اليساري فرانز فانون) المختلف عن أسرة سارتر، وهناك حكاية مُؤلمة للعرب عرضت لها هازل، وكانت ضمن رحلات سارتر الأخيرة، حيث تقول، ظن البعض بأن رحلته الأخيرة لمصر، وبعد أن زار غزة كان غاضباً متأثراً تلك الليلة، وتكشف  سبباً مختلفاً أعلنته المصادر.

       لقد كان السبب تولع سارتر بإحدى الشابات في فريق التنظيم المصري، فحاول أن يبني معها علاقة جنسية، لكنه لم يستطع فاستشاط غضبا، وأخذ يلعن المرشد وهو شابٌ مصري، والرجل في غاية الاستغراب، حتى أشار له رفيق سارتر معتذراً، أنهُ ثملٌ للغاية دعنا نعيده لغرفته، كم من المراجعات النقدية تبعثها هذه الحادثة!