Categories: مقالات

سوريا.. وحدة الدولة والمجتمع

سوريا.. وحدة الدولة والمجتمع 

مهنا الحبيل

27/7/2025

  أكتب هنا في توقيت دقيق للغاية حيث تمر سوريا هذه الأيام في أكبر تحدٍ لها منذُ عملية التحرير الثوري في الثامن من ديسمبر 2024 م، والحق أن الوطن المستقل الجديد بعد أرشيف عذابٍ ثقيل ورثه الرئيس الشرع وحلفائه من المجموعات الثورية المسلحة، تخطّت أزمات كبيرة لتأمين العبور الجديد للحرية.

 ولكنه عبور أُثقل بخلافات من شركاء الثورة ذاتها، قبل أن تنفجر مع حلفاء النظام المشتركين مع تل أبيب وطهران، أو الذين كانت لديهم مشاريع مزدوجة، تُغطّي فترة النظام، ثم إذا سقط تُنجز مشروعها الفئوي الخاص، وهذا ليس سراً.

 فعلاقات قسد والمجموعات الانفصالية في السويداء مع مشروع الكيان الصهيوني، الذي أسس له قبل سقوط النظام بسنوات كانت علنية ومتصلة الجسور، وهو ما يشرح تدخل نتانياهو المباشر، بعد قرب اللحظات الأولى من بروز قدرة الدولة على الحسم العسكري المحدود، ومن ثم ضم السويداء للكيان السياسي الوطني المتحد، ودفن مشروع الانفصال الأخير.

      لكن هذا الطرح يُعترض عليه بأن هناك تجاوزات قاسية، في مسارين اثنين تتحملهما الدولة، وخاصة الرئيس الشرع، الأولى هي الممارسات العنيفة غير الأخلاقية، في الخطاب وفي السلوك، التي مست طوائف أخرى، كانت في الساحل سابقاً ثم تكررت في السويداء عند أول المهمة العسكرية، ولم يفعل فيها قانون قصاص.

 والثاني هو أن الإعلان الدستوري الانتقالي لم يُحقق الحد الأدنى، من الاحتواء المقبول لشعب متعدد مثل الشعب السوري، جسم الثورة نفسه له خليطٌ علماني ومدني، وله خطوط إسلامية متعددة، تختلف عن الفقه الذي يجمع هيئة تحرير الشام وحلفائها. 

     وتُبرّر بعض الأطراف التي انقلبت كلياً ضد السلطة، أن الحالة الدرزية الفئوية المرتبطة بحكمت الهجري، لم يتم احتوائها سياسيا من قبل الدولة، والحقيقة أن هذا الطرح الأخير فيه مغالطات كبيرة، فالتصعيد من قبل مجموعة الهجري كان شرساً من قبل، ربما دلالة إهانة المحافظ جاءت في ختام سلسلة من التواصل الممنهج، ومحاولة التوافق السياسي بين دمشق والسويداء، في حين كان الهجري في علاقة ساخنة مع نتانياهو، لم تبدأ بعد قرار الدولة دخول السويداء، ولكن كانت سابقة له بزمن.

      فالرهان على فصل السويداء، أو وضعها تحت حكم إداري خارج سيطرة الدولة، هو تنفيذ فعلي للتقسيم، وتهيئة للانفصال، وهو مشروع خططت له تل ابيب منذ سنوات، وهنا يعود السؤال المركزي، هل كان على الشرع أن يبني الدولة دستورياً، ثم يُطلق مهمة توحيد الدولة والمجتمع.

 أم أنهُ كان محتاج لمرحلة انتقالية ثابتة، يواجه فيها تحديات التقسيم؟ لقد كان هناك خيار الدستور الذي تُشرف عليه القوى الدولية، وهو الحد الأدنى لمتطلبات قسد والسويداء، وكانت هناك محاولة لجر درعا الى هذا المصير، لكن تفاعل قضية احمد العودة، وضم لوائه للدولة استدرك هذا المشروع، والتحمت الجغرافيا الاجتماعية للغالبية السنية، وهذا الوصف لا ينطلق من تكييف طائفي، لكن المشكلة أن ضغط الغرب يتكرر في تحييد الجسم السني المنتصر، وصاحب الحق الأكبر في القصاص الحقوقي وفي رد الاعتبار، ومع ذلك فالتحفز يوجه ضدهم اليوم من جديد.

      لقد كان مشروع تدويل سوريا، يضع البلد تحت وصاية غربية، تستدعي اخضاع العراق بعد الاحتلال لنظرية بول بريمر في التقسيم الاجتماعي الطائفي، وهو الذي جرَّ على العراق ويلات كبرى، منها الحرب الاهلية الطائفية 2006، وتأسيس الجيش الشعبي المتطرف، وما ارتبكه من جرائم، ومنها جرائم داعش وغيرها والثارات المحلية للقوى المتعددة.

 وهذا يعني أن فكرة الدستور التعددي التوافقي لن يخضع للغالبية الوطنية في تصويت حقيقي، وهو بحد ذاته باب للفوضى الدموية والسياسية وليس مشروعاُ للوحدة، إذ أن الجموع الشعبية لن يُفتح لها باب التصويت، الا بعد أن يصاغ الدستور المناسب للقوى الدولية والإقليمية، المفتت في مركزية الدولة وليس في إدارة المناطق فقط. 

     وبالتالي كان أحمد الشرع امام ادراك أولي، لما يُخطّط للمستقبل السوري في مشروع التدويل، رغم أن عملية التحرير نفذتها فصائل ردع العدوان، ورأى من خلال مشاورات عامة، وتفاعل واسع في اللقاءات والحوارات العامة، تدشين المرحلة الانتقالية، وتجنيب سوريا التعويم الخطير لهوية الدولة والمجتمع، هل هي عربية أم غير عربية، هل للإسلام حق لشعبها بما فيه كل طوائفها، أم تُستنسخ لها عقيدة اجتماعية من خلال المنظور الغربي.

      ورغم أن دمشق حظيت بدعم نوعي من أنقرا والرياض والدوحة، ونجحت الجهود في تمرير ملف رفع العقوبات، لكن الضغط عاد من جديد، فموقف تل أبيب له خصوصيته في المركزية الغربية، وهو الذي تذبح به غزة أمام العالم جوعاً، بعد أن نُحرت دموياً في وحدة الساحات، فكيف تنجو دمشق وأين اخطائها وأخطاء غيرها، في انقاذ الجمهورية الثانية؟

للحديث بقية 

mohana63

Recent Posts

السياحة والنظافة والحضارة

السياحة والنظافة والحضارة مهنا الحبيل بدت لي أزمير محطة مهمة لبدأ الرحلة التركية البرية، كان…

5 أيام ago

السياحة الفكرية في تركيا

السياحة الفكرية في تركيا مهنا الحبيل تأخرت رحلتي السياحية بين المدن التركية عشرة أعوام، حيث…

5 أيام ago

الأخلاق والعقوبة بين برنارد ماندفيل والفاروق عمر

الأخلاق والعقوبة بين برنارد ماندفيل والفاروق عمر مهنا الحبيل يستشكل البعض في توسيع رؤية المقاصد…

5 أيام ago

سؤال الدولة الاسلامي والاستئناف الفكري

سؤال الدولة الإسلامي والاستئناف الفكري مهنا الحبيل وقفنا في إعادة تحرير النموذج الماليزي على سؤال…

5 أيام ago

أبو بكر الصدّيق في عالمنا اليوم

أبو بكر الصديق في عالمنا اليوم مهنا الحبيل إن العودة للحياة الإسلامية الأولى، وخاصة الصدر…

شهر واحد ago

المرجع الأخلاقي للعالم الجديد

المرجع الأخلاقي للعالم الجديد مهنا الحبيل إن المقياس الذي يعكس بدقة، حقيقة الكوارث التي يعيشها…

شهر واحد ago