مهنا الحبيل

20/12/2022

أتجاوز هنا الكثير من القصص المشحونة بالرذيلة، والصراع مع الرفاق واقتسام العشيقات، التي تتقاطر في كل حياة وسفرات سارتر، وكان من أهم العناصر التي تشغله، هو تأمين علاقة جنسية عند كل مرحلة أو سفر، لم يكن يراعي في ذلك، من كانت مرتبطة بزوج من عدمه.

 ثم الأرشيف الضخم، لعالم الغيرة الشرس بين عشيقاته، والذي تنفجر فيه طبيعة المرأة، ويتضح لنبي الوجودية سارتر، وللراديكالية النسوية الأولى بفوار، حجم التضليل والفشل، في ترويج إنسانوية أخرى، لا تتفق مع الفطرة ولا تقبل أي ميثاق أخلاقي ورثته البشرية.

      وكلما توغلوا في حياتهم الخاصة ورذائلها،  كلما ثارت بينهم غرائز الذات، وافتراق الطبيعة بين الذكر والأنثى، ولكن ذلك كان يدفعهم من جديد، للسخرية من علاقة الحب الطبيعية، واقتران المرأة والرجل في بيت زواج لحياة مطمئنة، وكانت هناك صدمة عند انتحار احدى عشيقات سارتر، بعد ان أدمنت المخدرات، وكانت في صراع موسمي قلق عند انشغال سارتر بعشيقة أخرى.

       لكن الموقف لم يُغيّر شيئاً من حياتهم، وتواطئت معهم الصحافة، حينها قال زوج هذه العشيقة السابق، إن انتحارها كان مرتبطاً بسلوك المثقفين اليساريين الفرنسيين، وكان سارتر يغضب وينفجر حين يعجزه ممارسة الجنس مع عشيقة جديدة، لا تتجاوب معه.

       وكان حين يكون في حالة تعلق بإحداهن، يسعى لها بكل شيء، قال مرةً لعشيقته واندا، ( أنه سيدوس على الجميع بما فيهن بفو – بفوار- لأجل البقاء مع حبها) وكانت مزامير كذبه لا تنتهي، في كل هذه الرحلات الماجنة، كانت سيمون متابعة له بحسب ميثاق التعايش بينهما ويتبادلان الرسائل، ومع ذلك لم تتوقف للحظة لمحاولة وضع إطار أخلاقي يحمي مشاعرها، أو يحمي على الأقل بقية الفتيات القادمات، فظل توريطها لهن في علاقات جنسية شاذة، وربطهم بسارتر قائماً.

       هذه كانت مهمة التوظيف الحركي النضالي، في عالم الوجودية الفرنسي، وفي تحضيرات البيان الثوري للراديكالية النسوية، وكانت هذه القصص، موقع الاستثمار في روايات ومسرحيات سارتر وبفوار، وخاصة في الكتب الأخيرة، كانت مساحة الشذوذ وتصادم العلاقات، ضمن مواد الكتابة، بعد إعطاء ابطالها إسماً وهميا، وكانت الإهداءات من سارتر ومن بفوار تعكس طبيعة مواسم هذه العلاقات، بل إن ضم الفتيات إلى أدوار المسرحيات، كان يقدم كإغراء واستقطاب للشابات.

       رغم كل ذلك ورغم أن المرجع المبدئي المشترك، هو الفردية المطلقة التي تحكمها النزوة لا الأخلاق، كانت بفوار تعيش مواسم بكاء وألم متعدد، لقد مارست حياتها الجنسية الخاصة مع آخرين باتفاق مع سارتر، وخلال هذه الرحلة واجهت بفوار مشاعر الأنثى، ومعنى السكينة بين يدي الرجل، حين يقول لها بعض العشّاق ويصرون عليها، لماذا لا نتزوج، في هذه الحالة تعترف بفوار بمعنى هذه الدعوة الملهم لداخلها، ولكنها تعود للميثاق الوجودي.

       وحين ارتبطت بعلاقة خاصة مع الكاتب الأمريكي الشهير نيلسون ألغرين، أبدى عدم الاهتمام بها، لكنها الحت عليه فأحبها، ووجدت فيه معنى ملهم قالت عنه أنه حرك عمقها، وذكّرها بابن عمتها الذي كان سيتزوج بها، فحين عرض عليها ألغرين الزواج، كانت بفوار تشعر بأن هذا المعنى يلتقي روحها الأخرى، التي لم تكفر بالفطرة، والتي تتناقص مع عقيدتها الوجودية وتبشيرها بها بين الشابات، لا فضيلة لا زواج لا ارتباط، فيعود المذهب الفردي ليحاصرها.

       فجّرت دعوة الغرين الذي أصّر على الارتباط الثنائي، لا العلاقة الجنسية المشاعة المتعددة، التي تمارسها بفوار في حياتها، بركاناً ساكناً، في ظل رحلتها مع سارتر، حيث لم تفلح الوجودية الفوضوية، في كتم الطبيعة الإنسانية للمرأة، وسعت للقاء ألغرين مجدداً، لكن حين وجدت إشباعاً جنسياً آخر، وزعّت أولوياتها، وكانت مواسم السفر والمتعة، عالماً مستمراً في حياة بفوار وسارتر، غضب ألغرين ولم يُعجب بسارتر ولا بحياة بفوار، وظلت العلاقة تتراوح بينهما.

       لكنه في مقابلة صحفية كان ساخطاً عليها، وقال إن كل من يدخل مسكنه في كل العالم يُغلق عليه الباب، إلا بفوار تفتحه على المسرح، في إشارة إلى ما ترمز له رواياتها ومقابلاتها، وما تصرح به من علاقات جنسية، وقد آلمت هذه الكلمة بفوار، ولم تغفر له بعد اعتذاره، ولم تبدي أسفاً لموته، ومع ذلك ظلت تلبس الخاتم المتواضع الذي اهداها إياه حتى وفاتها، خاتم خطبة الزواج!

       ظلت العلاقات الحميمية الجنسية المتعددة لسارتر، بين أمريكا وروسيا وفرنسا، وبين الفتيات التي حوَلَهُنّ إلى عشيقات حوله، تعصر حياة بفوار، ولكن دون أن يدفعها ذلك إلى خط أخلاقي، رافض لحياة روسو، بل العكس، ظلت شريكة معه في المشروع الإلحادي العدمي، الذي بنت عليه ثورة الراديكالية النسوية، ثورة تقتص من المرأة باسم ظلامتها، فتحولها إلى حركة نقض للذات وللشراكة الماتعة في الحياة ولتهديد الطفولة، فلم تقتص من الرجل الجنساني الظالم، الذي قدمت عمرها لها، وصارعت عليه لآخر لحظة، ثم قدسته في أشهر مكتبة فرنسا القومية والعالمية.

       هذه الراديكالية النسوية اليوم التي يغزو بها الغرب من جديد، كل عوالم الأرض، وهذه سيرتها وقصة حكاياتها، فهل هذه النزوة العدمية الرافضة للروح، تنقذ النساء المظلومات، هل تخلق مجتمع حضارة أفضل، لماذا يتبناها الغرب الرأسمالي، رغم أنها صدرت من حركة اليسار الغربي.

 وكيف تحشد هذه المنظمات كل قوتها، تحت رعاية الغرب الاستعماري، ويدعمها في شروطه السياسية على بقية الدول، ويغير مواثيق الأمم المتحدة بناء عليها، ويرفض قيم الشرق وخاصة الإسلام، الذي يجعل عماد الأسرة بين الذكر والأنثى، الحب والعفة والطهرانية الروحية، وتبقى متعتهم الخاصة لهم وليس لمسرح الناس.

       كم هو موجع أن هذه الوجودية والراديكالية النسوية، لا تزال تقتلع من أجيالنا العربية، رغم أن هذه سيرة انبيائهم، وشهادتهم على أنفسهم بخط يدهم.