مهنا الحبيل

1/1/2023

بعثت رسالة مونديال قطر الضخمة حقيقة مهمة، لعلها كانت غامضة لدى الكثير، وهي حقيقة متعددة لكن مسارها واحد وسؤالها المركزي هو: 

ما هي خطورة تسيد أفكار أو سلوكيات أو مفاهيم غربية في العالم، وبسطها قهرياً على بقية الأمم وهي تقود إلى مآلات مدمرة للإنسانية، أو مسيئة لها؟ 

       تحت هذا السؤال تندرج مسارات تفكير استراتيجي مهمة، ونحن هنا لا نحصر الأمر في قضية المثلية، ولا نعتبر أن كل إرث عهد التنوير الغربي، هو سلة من الآثام والسلبيات، لكننا نسعى لوضع حدٍ لهذا التطرف في تزكية كل ما يتقاطر من الغرب، وحتى بعض الشرق، ثم يسوق عبر الإعلام والسوشل ميديا، بل يُحوّل إلى قوانين ملزمة سياسياً أو أدبياً. 

       ولذلك فالفكرة هنا التي بعثتها رسالة استضافة قطر للمونديال، بعد تمسكها بموقفها القيمي من الأسرة، وما صاحب ذلك من تضامن ووحدة عربية وإسلامية، في ضيوف المونديال أو في الموقف الذي تبنته تلك الشعوب، وأوصلت رسالة لذاتها، ثم الآخرين في الأسرة الإنسانية الكبيرة، هذه الفكرة هو أن هيمنة (قيمٍ) غير متفق عليها، بل تعتبر أفكار سلبية مسيئة، على المشهد الدولي، لا يعني صحتها، وغياب قيم حقيقية في الفرد والأسرة، بسبب الانحياز الدولي، لا يعني خطأها ولا يعني أنها غير مهمة للعالم. 

       إن ما رأيناه من دلائل لمراجعات الإنسان الغربي حول السعادة والمتعة، مع غياب أو ندرة الكحول حوله، وندرة العلاقات غير الشرعية، وحتى وسائل التطهر عند المسلمين في استخدام الماء، يقودنا إلى حجم الفراغ الضخم، في المنبر الدولي حول المصالح الإنسانية المشتركة، وأين نجدها في فلسفة المعرفة الإسلامية، المُغيَّبة كلياً عن طاولة الحوار في الفكر العالمي. 

       وهنا نحن نتحدث عن مدرجات خارج ملاعب الرياضة، ومواسم الرياضة مهمة وذات تأثير، لكن هناك مؤتمرات وحلقات فكر ضخمة، نفذتها الأمم الغربية، للترويج لمفاهيمها، ومؤتمرات حوار عالمية، ضغطت فيها لإعطاء الأولوية لما تعتبره قيماً، ولإجبار العالم ضمنياً للخضوع لموازينها، دون إعطاء المساحة الكافية لفلسفة الأمم الأخرى. 

       وحين نقول فلسفة أو جدل حوار فالقضية هنا، ليست رفاهية حوار ولا مواسم ثقافة منفصلة، ولكنه حركة ترصيف ضخم لواقع سياسي وقانوني، قد تواجهه أي دولة أو فرد في هذا المكان أو ذاك من العالم، بل إنها ستجده داخل الدولة الوطنية ذاتها، بسبب انتشار الثقافة العالمية، في أي من دول حاضر العالم المسلم أو غيره، فهي تحتاج لتحضير لغة النقاش، ومعيار الجدل وأرضية الرد، حتى تكون قوة فكرتها قوية مقنعة، لأبناء شعبها كما هم الشعوب المتفقة في الدين، أو المتفقة في القيم، وإن كانت أمم غير مسلمة. 

       ولذلك استدعيتُ هنا المؤتمرات العديدة، المباشرة في حوار الأديان أو الحضارات أو ذات العلاقة بها، وينظمها الأشقاء في قطر، في مؤسسات وجامعات ومعاهد، ولكن لا نسمع زخماّ لتلك المؤتمرات في جدل الفكرة القيمية مع الغرب، ولم ألحظ أن هناك طرحٌ مباشر، لجدول نقدمه للعالم في تحديد المفاهيم الإنسانية المشتركة، من منظور لا يخضع لأولويات الغرب. 

       ومؤكد أن هناك حضور لنقاشات أو حتى أوراق حوار، لكنها لا تأخذ مساحتها من التغطية، أو أنها تحتاج إلى إعداد ومباشرة صريحة في عناوينها. 

 وكمثال: الأسرة في التاريخ الإنساني بين الشرق والغرب – السلام والحرب في التاريخ الاجتماعي للإنسانية – البيئة والطبيعة بين الحداثة والفلسفة الأخلاقية. 

 وهي كلها مواضيع مرتبطة بإعادة الفهم للبحث المستقل عن الحقيقة، وحين تُطرح، يسمع الغرب رؤية مختلفة، عن مسلّمات لم تجزم بها لا حقيقة علمية، ولا يقين فلسفي، ويَسمع الصوت المخنوق لقرون في أكاديمية الغرب، أو الذي يقدم بصورة مُجزأة منحازة. 

       وكون أن سمو الأمير قد أكد في آخر فقرات الختام، على أن نجاح المونديال أعطى فرصة للتعرف على القيم العربية والإسلامية، فهو يؤكد أهمية أن نواصل بعث هذه الرسالة في خارج المونديال، وخاصة بأن هناك مؤسسات وفعاليات كبيرة وواسعة، تنظّم في قطر، والجانب الآخر هو أن الموقف في داخل قطر وخارجها، بل حتى من يختلف مع قطر، وله زاوية نظر خاصة في السياسة، لكنه هنا اعتبر أن هذا النجاح مهم له. 

 لأنه لا يخدم العرب والمسلمين فقط، بل كل من يهمه عودة الضمير الإنساني للفطرة، التي خلق الله بها الطبيعة، وأوجد فيها ما ينقذ الإنسان، من تغول نزوته أو مصالحه على عقله الأخلاقي، وانحراف تفكيره لتدمير هذا الكوكب وسكينته.