صورة السعودية الجديدة في المسرح الدولي
مهنا الحبيل
22/3/2022
هل بالفعل اعتذر ولي العهد السعودي عن طلب البيت الأبيض لتنسيق مكالمة مع الرئيس الأمريكي أم لا؟ في تأكيد عضو الكونجرس الأمريكي تم طلب ذلك الاتصال أو التنسيق لأجله وما نشرته بقية المصادر قد يكفي لوجود أمرٍ كهذا رغم نفي البيت الأبيض، وعادة تجد التبريرات الدبلوماسية مساحة، فالاتصال قد يهيئ له من موظفي البيت الأبيض والديوان الملكي السعودي، ولكن هل دقة هذا الموقف تحديداً تغيّر من المعطى الرئيس لموضوع المقال، هذا ما نستطيع أن نؤكده بكلا..
فالفتور بين إدارة بايدن وبين ولي العهد السعودي واضح جداً، هناك ما هو متعلق بالتغير السعودي الداخلي، وهناك ما هو مرتبط بتصورات التحالف الخليجي الذي تمثله أبوظبي والرياض، والذي خرج من أزمة الخليج، لكنه لا يزال يتمسك بقدرته على إدارة مرحلة سياسية ومشروع ذاتي له، يرسم به معالم التوازن الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط، وفي الخليج العربي على الخصوص، ولكن هذا المشروع يمر بحالة فقدان توازن، فيما حققت الأطراف الإقليمية الأخرى في إسرائيل وإيران وتركيا، مساحة جديدة لحضورها.
يجب التذكير هنا بأن تجاوز ما أحدثته الأزمة الخليجية لم يكن أبداً ليعبر بسهولة، بل سيظل أفقه قائماً وتأثيره العملي، وأهمه فقدان الثقة بين أعضاء المجلس الخليجي نفسه، ورغم أن ولي العهد السعودي أكد في لقاء ذا اتلانتك، أن علاقة الرياض مع الدوحة هي الأفضل منذ زمن، إلا أن مشهد الأزمة وأحداثها الدراماتيكية تنعكس على علاقات أعضاء المجلس الخارجية، التي تتجه منفردة بين محاور كبرى، كان من الممكن أن تكون للكتلة الخليجية الموحدة فيها ممانعة، أسقطتها قرار الخامس من يونيو حزيران 2017.
وفي حين تتقدم أبو ظبي لمساحات جديدة تجمع بين العلاقات الأمنية الإستراتيجية الخاصة مع إسرائيل، والتطبيع مع ولصالح نظام الأسد، فهي أيضاً تسعى لتصحيح توتر العلاقات مع طهران الكاسب الكبير في المنطقة، للخروج من الاشتباك السابق والعودة لتموضع شراكة مع الإيرانيين، وبالتالي توقف طهران سلوكيات أذرعتها في المنطقة وبالذات في اليمن.
أما السعودية فلديها توجه داخلي خاص لمركزية الحكم وطبيعته الجديدة، وهذا بذاته بات يمثل إشكالاً في علاقة واشنطن المترددة في دعمه، فانتقال القرار السياسي المركزي في علاقة السعوديين التاريخية مع واشنطن، من طبيعة تعاطي مع أسرة حكم ذات ثوابت معينة، وبرتوكول سلوك معروف مع الغرب، حتى مع قرارات سابقة اتخذها الملوك كمواقف أو ردود، على ما رأوه استفزازاً ضدهم كنظام حكم حليف لواشنطن، فهذا مختلف تماماً عن كون القرار السياسي والسيادي في الرياض أصبح مرتبطاً بولي العهد شخصياً، وأنه لا حضور للأسرة الحاكمة في الإستراتيجية الجديدة.
كما أن قرب المحيط اللوجستي لحكومة بايدن من المعارضة السعودية، يُمثل أيضاً قلقاً لدى مركز القرار السعودي، رغم أن طبيعة السياسة الأمريكية لا تتقدم إلى مساحات مواجهة أو قطيعة مع الأنظمة الشمولية المؤيدة لها، وإنما تكتفي برسائل رمزية، فيما يترك للإعلام ولأعضاء الكونجرس مساحة أوسع، تخضع بالجملة لتأمين المصالح الامريكية القومية، التي لا يهمها شعوب المنطقة ولا حقوقهم.
ومع ارتداد تبعات مرحلة ترمب كحليف للسعوديين، واستمرار فُرص عودته أو نموذج آخر قريب منه من الجمهوريين، فهذا يعطي مساحة للمراهنة السعودية، بحيث أنها لن تُعطي رسائل خروج كامل أو تمرد استراتيجي مع واشنطن، كما هو طبيعة مواقف دول الخليج العربي، فعليه ممكن أن يُخَاطر بمساحة توتر تعود بعده العلاقات إلى توازن جديد، في عهد بايدن أو خلفه.
وتعتمد السعودية منذ زمن خطاب التذكير بمساحتها السياسية المختلفة، وأنها الدولة الكبرى في المنطقة عربياً وإقليمياً، كما هو استثمار وجود إقليم الحجاز والمشاعر المقدسة ضمن حدودها وسيادتها، وهذا ليس بجديد ولكن تدشين مصطلح (السعودية العظمى)، تزامن مع التغير الأخير في طبيعة نظام الحكم الذي ذكرناه، ويأتي إضافة يوم التأسيس في محاولة ترسيخ جديدة، لتضخيم التاريخ السياسي وبالذات ربطه بإقليم ومركز الدولة في نجد.
هذا الملف مهم جداً لفهم طبيعة الرؤية لدى ولي العهد السعودي وفريقه الخاص، فمع تحويل مركز الاستقطاب إلى الرياض وتهميش بقية الأقاليم، هناك زخم إعلامي اجتماعي صاخب لإعادة تخليق الإنسان السعودي، في رؤيته لذاته وفي تقديم الدولة للعالم من خلال هذا المشهد الحاشد إعلامياً، وبالتالي يقال للدول الكبرى بأنكم تتعاملون مع امبراطورية تاريخية ضاربة في عمق الزمن.
يكشف هذا البعد اليوم مسألة مهمة ودقيقة للغاية، وهي علاقة السعودية بذاتها وعلاقتها بالعالم كجغرافيا سياسية، فكون الجغرافيا السياسية للسعودية تتشكل من عدة أقاليم ظلت فكرة حاضرة دولياً، رغم مشاريع الاجتثاث الممنهجة لهوية الأقاليم العربية الإسلامية وإرثها الحضاري، ولذلك يحاول الحكم السعودي الجديد، دمج هذه الأقاليم في فكرة الإمبراطورية المزعومة لنجد، وهذا يمثل في الحقيقة أزمة فكر سياسي متقدمة، فتحويل هذه الأقاليم وشعوبها إلى مزهريات تراثية تستقطب السياح، ولا قيمة لها في الحضور الوطني الجمعي يمثل فشلاً سياسيا، فيما كان من الممكن أن تؤسس الدولة وحدة وطنية تعتمد الحقوق وهوية موحدة لا عنصرية بين الناس.
لقد ظل تقديم تاريخ نجد المعاصر مشكلة سياسية عميقة، فرغم أن نجد مركزاً مهما للقبائل العربية، ومحل ذكر الشعراء وصَبوُهم، إلا أنها في التاريخ السياسي كانت مرتبطة بأحد الساحلين، ولم يكن هناك أي دولة بعد تأسيس أمارة التحالف السعودي الوهابي، وإنما حكم عشائري 1744 م قام بغزوات لمناطق الجزيرة، وانتهت الأمارة 1818، فكيف تُقدم للعالم بل للإنسان السعودي بأنها امبراطورية عليه التخلي عن انتمائه وتاريخه الحضاري تحت سقفها، في كل الأحوال يبقى لهذا الطرح بعده الخاص، في صورة السعودية العظمى أمام المركز الدولي يحتاج لربطٍ تحليلي آخر.
1 Comment
Comments are closed.