عبدالرحمن السميط الذي عرفته

مهنا الحبيل

17/4/2022

تتجدد ذكرى الراحل الكبير د. عبد الرحمن السميط في رمضان المبارك، كون أن الشهر الفضيل هو زمن العطاء والبذل والتحفيز الكبير للجود الخيري ولمعنى استشعار حاجة المحرومين والضعفاء، ومنهج للتكافل الذي شرعه الله للمسلمين ليصلوا أنفسهم والبشرية به، ولذلك يبرز القمر المفقود عبد الرحمن السميط في استذكار شمسه المباركة التي أشرقت على أفريقيا بروح إنسانية مختلفة، في مقابل جمعيات التوظيف الضخمة للعمل (الخيري)، التي تهيمن عليها القوى الغربية في أفريقيا. 

  وليس ذلك رفضاً لمساهمات غير المسلمين، أو جحوداً لهم، ولكن لرفض الظلم في تخصيص مساحة الاحتياج الضخمة لأفريقيا لقبضة المنظمات الكنسية وغيرها، تحت مسطرة الإقصاء الغربي السياسي لما سواهم، وربط المسلمين وغيرهم بالعمل الإغاثي المرتبط بهذه المؤسسات، ولا تزال باريس وواشنطن وغيرهم يستثمرونه لحصار القرار المستقل للشعوب الأفريقية، أو لخلق ثقافة تبعية تناهض المسلمين، وتَخلق فتنة بينهم وبين اخوتهم من بقية الأديان، فأصبح الضلع الآخر المشارك مع جماعات العنف والإرهاب الوحشي، الذي بُلي به المسلمون ويطوف في أرضهم اليوم، فيقتلهم ويقتل جيرانهم. 

  هنا برز لنا أبو صهيب في روحه ومنهجه وإخلاصه للفكرة، حيث كانت رمزية – لبيّك أفريقيا – التي رُفعت في البلاغ الأخلاقي لمنظمة العون المباشر، تُمثّل روحه المتدفقة والإنسان الذي حمل هم إغاثة أفريقيا، وبعثُ الروح المؤمنة السلمية القوية بين الضعفاء، ليكونوا حملة الفجر الجديد لبلدانهم، وليس ليصلهم بِبُلغة طعامٍ أو كساء ثم يمضي، فمن يعرف عبد الرحمن السميط يُدرك اندماجه مع مشروعه المستدام ومع أهل أفريقيا، وإدراكه العميق للحرب التي استنزفتهم، وأتاحت للغرب أن يجعل هذه القارة حتى اليوم، سلة سُخرة يستعبد بها الدول بعد أن كان يستعبد الأفراد. 

  ولم تكن لي علاقة خاصة بأبي صهيب رحمه الله، ولكن رحلة معرفتي به أثّرت فيني كثيراً وفي ثقافتي أمام الرجل الملهم، كان أول المعرفة أنني لاحظتُ اعلان لمحاضرة وعظية روحية في أحد مساجد الأحساء، نظمها في حينه مكتب الدعوة الذي يرعى الأنشطة الدينية، والضيف كان عبد الرحمن السميط، وكنتُ قد سمعتُ عن مشروعه في الكويت وبلغتني أنباء إنجازاته، كان أبو صهيب حينها زائراً مع أم صهيب لقرابتها ووصل أخيها من أسرة البداح الكريمة المعروفة لدينا في الأحساء. 

  فتواصلتُ معه عبر بعض الأقارب والأصدقاء واجتمعت بأبي صهيب، بعد أن حضرت كلمته الدعوية، وكانت كلمة خفيفة على النفس تأثر بها الناس، رغم أنها لم تكن تتناول أي جوانب لمشروعه في أفريقيا، ولم تتحدث عن مأساة الوضع الافريقي، وحين التقيته برزت لي تلك الروح المتواضعة المتدفقة في الطيب والود لكل من تلتقيه، قلت له: د. عبد الرحمن كيف تكون لك فعالية في الأحساء، ولا تُعرّج بنا على موضوع نشاطك المركزي الذي تتفرغ له اليوم. 

  أشار لي بأدب أن المضيف لم يرغب إلا في حديثه عن الجانب الوعظي، ولم يُرد أن يطرح عليهم مشروعه حتى لا يكون ثقيلاً أو خارج اهتماماتهم، عدتُ إلى المشايخ في مكتب الدعوة وتبيّن لي أنهم لم يكونوا على علم بمشروع د. السميط الخيري في أفريقيا، فرتبت عبرهم في جامع الصالحية الكبير، محاضرة أخرى كان عنوانها، افريقيا حقائق وأرقام. 

تفاعل أبو صهيب وقدم المحاضرة بروح دافئة وصلت قلوبنا، وألهم الحضور وأثّر فيهم، تفاعل الناس مع استشعار هذه الصورة المغيّبة عنهم، فيما يجري في أفريقيا ودورهم المطلوب لإخوانهم، لينفتحوا على معانٍ أخرى مختلفة من مفاهيم الإسلام، في رابطته العالمية وأخوّته التي تتجاوز اللون والعرق، وبخطاب مؤثر، من صاحب قضية يعيشها روحاً وفكراً. 

  كانت الكويت رائدة ولا تزال في عمل الخير، وخاصة في المساحة العلنية التي اتيحت للجمعيات والتي تعرضت بعد ذلك لحملات غربية ممنهجة، اتضح بعدها أنها مشروع مركزي لضرب العمل الخيري، ولم تكن القضية معالجة أو تتبع للمال المسرب، أو الوسائط المسيئة التي سُخّرت بالفعل بأيدي البعض، لإحداث فتن بين المسلمين بناء على خلافات التيار المتشدد مع المدارس أو المذاهب الفقيهة أو الصوفية التي ورثها الناس في أفريقيا، وهي أموال وجسور صنعت فتناً حقيقية في أفريقيا، كان لعبد الرحمن السميط رأياً دقيقاً فيها نعرض له في المقال القادم بعون الله.