عبد الرحمن السميط..الغائب الحي

مهنا الحبيل

24/4/2022

مثّل تحدي الخطاب الفكري والدعوة الحكيمة في أفريقيا، بعداً مؤثراً وحسّاساً للغاية، ولا يزال تأثيره قائماً، فهذه القارة بالجملة منذ تاريخها القديم، قريبة من الإسلام والمسلمين، وقد تحوّل بعض شعوبها من قرون خلت إلى الرسالة الإسلامية، وامتد ذلك في هوية الأمريكيين الأفارقة، حتى أضحى الإسلام وكأنه الهوية القومية الاصلية لهم، وقد ترجم ذلك إليكس هيلي في روايته التاريخية (الجذور) فالمسلمون الذين استعبدوا كانوا أحراراً وسادة، وبعضهم من سلالة السلاطين. 

    فلون البشرة لا يعني شيئاً في الإسلام، وإنما تلبس به العرب من جديد عبر الجاهلية الاجتماعية العنصرية، وكان منهجاً عقدياً وفلسفياً وسياسياً للغرب، ضاربٌ في التاريخ، وعليه فإن كسب الإنسان الأفريقي لرسالة الإنقاذ، أو لخلق جسر اتحاد وشراكة إنسانية معه حتى مع الميراث الوثني، كان سبيلاً ممكناً لصناعة تحالف أخلاقي مميز، بين أمم الشرق بمفهومه الواسع جغرافيا، فضلاً عن الأصول الدينية الإسلامية الموروثة، والتي قد تَجهل أو تُسقط بعض مفاهيم الإسلام، فتُواجه بشراسة من البعض. 

لقد استثمر الغرب الكولونيالي أخطاء أولئك الدعاة والخطاب الديني المتشدد، لصناعة حصاره الجديد على مسلمي افريقيا، لكن الهدف السياسي الغربي لم يكن تصحيح أخطاء أولئك الدعاة، وإنما قطع الطريق عن الجسر الإنساني بين الخليج العربي وبين أفريقيا. 

 حتى تتمكن آلة الغرب السياسية والثقافية في القارة السمراء، ويُجوّع الناس أو يُجَّهَلون، لتبقى أفريقيا لقمة سائغة للغرب، ومع الأسف أن بعض ذلك الخطاب الدعوي الذي أُلحق بأعمال الإغاثة ساهم في إعطاء الحجة، لتتحد السلطات المحلية في دول أفريقية مع المشروع الغربي. 

  لقد عرض علينا د. السميط مبكراً رؤيته النقدية الدقيقة لتلك المواسم، التي يُجند فيها دعاة متعصبون جهلة، ويُستقطب بعض الشباب الأفريقي لمصارعة أقوامهم ومذاهبهم، وفرض مذهبه الدعوي عليهم، وشرَح أبو صهيب مسارات التصحيح الفكري لما يقع من أخطاء أو انحرافات دينية وخرافات، وُرثت من قرون، من خلال الخطاب الودود المتسامح، الممتد لتلك المجتمعات وصناعة وعي تصحيحي فيها، بعد كسب تلك المجتمعات. 

 وحدد لي أبو صهيب إشكالية أثر ذلك الاستقطاب في أخلاق الدعاة المتشددين، وأثر الضخ المالي عليهم، الذي استفز شعوب ومناطق أفريقية، وهو ما استثمرته أيضاً الجمهورية الإيرانية وغيّرت مدرسة هذا الشعوب نحو فكرتها الطائفية المتشددة، تغييراً عقائديا وسياسياً كاملاً، نقضت به انتماء حشوداً ضخمة من المسلمين وغيرهم، في نيجيريا على سبيل المثال من مذهب الإمام مالك إلى مذهب ولي الفقيه لخدمة مشروعها، وهي تزعم رعاية الوحدة الإسلامية. 

  لكن حرب الغرب على الموارد الإسلامية من الخليج العربي، كان لها هدفها المركزي الذي ذكرناه، كان هذا الحديث مع عبد الرحمن السميط ما بين 1988-2001، أي أنه أدرك مبكراً خلل ذلك الخطاب والتدفق المالي عليه، وكان يشكو من قلة التجاوب من بعض المصادر المتبرعة أو الموظفة لبعض الشباب الافريقي. 

    فيما التف مع أبي صهيب مجموعات راشدة من الشباب، بنوا جسوراً قوية وجميلة مع مجتمعاتهم، وصححوا تلك الأخطاء والانحرافات بالتدرج وبكسب الجميع، ووصلهم بالغوث الإنساني لغير المسلمين، مع مراعاة الاندماج القبلي الواسع بين الأفارقة. 

  ومنذ بوستر (بو دميعة) أي الطفل الأفريقي الذي التقطت له الجمعية صورة مؤثرة ملهمة، كانت رسالة الجمعية تُعبّر عن رمزية حملاتها، وسبق أن قال لي أبو صهيب أنزله الله في عليّين، أن سيدة فاضلة من أهل الكويت، دخلت عليه بعد نشر هذه الصورة، وتبرعت بمبلغ جيد في ذلك الوقت، ( لكي يوصل للطفل أبو دميعة ومن معه) فأجابها أبو صهيب بالترحيب والشكر لروحها المعطاء، وقد كانت مشاريعه نوعية في اعداد شباب المستقبل الذين ترعاهم جمعية العون المباشر، وكم من تقدم منهم في صفوف العلم والوظيفة، فخدم مجتمعه ووطنه. 

  إن فلسفة السميط تلتقي اليوم مع آثار جهوده ومع نشاط الجمعية المستمر، وبقدر ما نأسى على غيابه رحمه الله، إلا أننا نستشعر بركة جهوده والحاجة لأفكاره المميزة، وقد زرتُه بعد الجلطة القديمة التي أصيب بها، وكان يتعالج في المستشفى العسكري بالسعودية، وقد نجاه الله منها، وما كان يشغل باله إلا العودة لأفريقيا، إنه الرجل الذي لم يكن عاملاً في وظيفة للغوث الإنساني والإرشاد، ولكنه الأمة التي بعثت في شخصه وأَسرجت حياتها في سبيل الله لأفريقيا.