فرنسا والحرب على النقاب
مهنا الحبيل
2013
مع الحملة لدعم مصالحها الاستعمارية في مالي التي أتاحها لها فشل الوطن العربي وتمزّقه واضطراب افريقيا لتغول المصالح الغربية وفوضى القاعدة فلفرنسا حربٌ أخرى في أرضها تعود اليوم مجدداً عبر تشديد اجراءات مضايقة المنقبات وحملات الاستعداء ضدهم كسائحات أو مقيمات أو فرنسيات . وفي حديث سابق تحدّث فضيلة الإمام القرضاوي عن لقائه مع السفير الفرنسي في منزل الإمام بالدوحة بناءً على طلب السفير قبل سنتين لشرح موقف الحكومة الفرنسية من إجراءات التضييق على المنقبات والذي اتخذ سلسلة من القرارات تصل إلى حجبهن عن الحياة خارج المنزل وليس فقط منع العمل والتعليم، وبعد أن شرح الإمام وبيّن للسفير الفرنسي موقفه من أن النقاب وارد في فقه الشريعة وهو من حق من يعتقد بوجوبه ولا يجوز أن يُجبر على خلعه رغم أنّ الإمام يرى أنّ الحجاب الشامل الذي لا يشّف ولا يُجسّد ولا تعتريه زينة وفتنة ويكشف فيه الوجه والكفين هو الراجح، إلا انّه شدد على أن ما بُدئ في سلسلة من البلاد الأوروبية ضد المسلمات المنقبات هو تعدّ على حريتهن الشخصية، وقال الإمام إنني حين ذَكَرت للسفير بأننا إذن سندعو المسؤولين العرب أن يشددوا على نساء الغرب في التستر والاحتشام ولو كان ذلك نسبياً فقفز السفير مردداً أمام الإمام لا أرجوك لا تفعل ذلك !! هنا يبرز لنا حجم الموقف المنافق في الحضارة الغربية في تعديها المستمر على الكرامة الإنسانية للشعوب المسلمة وما سخّرت له إعلامياً وأدبياً وثقافياً من حركة ضخمة بُسطت على المشهد الفكري لدى بعض دول الغرب تجاوزت على قيم الفضيلة والسخرية منها في الفكر الإسلامي الأصيل وليس فقط صور التطرف والانحراف الذي قد يرتكبه البعض، ثم أُعقب الأمر بتداول منظّم ومحموم لإقرار مشاريع قوانين تستهدف حرية الإنسان المسلم والتضييق عليه في عبادته وشعائره و باحتجاج مستمر بالحفاظ على الهوية المسيحية الغربية من جهة ومن جهة الحفاظ على قيم العلمانية المطلقة التي لم تكن تُفسّر في العهد الجديد لأوروبا بعد الثورة الفرنسية أبداً بأنها موجهة ضد شعائر الإنسان وحريته الفردية الخاصة بل على العكس من ذلك، كانت تقدم هذه القيم على أنها تحمي الإنسان وتحترم حريته الشخصية، وهنا يبرز هذا النفاق حين تُقلب معايير التفسير لذات المبادئ لتُحوّل إلى قاعدة تشريع تنتهك كرامة دين معين ومنتسبيه .
مع ملاحظة مهمة للغاية أن أياً من الديانات السماوية والأرضية لم تتعرض لأيٍ من الضغوط ولا القرارات المتخذة في أوروبا بل كانت تترك فجوات في ذات المشاريع تفسح للآخرين وتستهدف المسلمين تحديداً، مع سيلٍ من التصريحات من الأحزاب اليمينية ومن غيرها تؤكّد أن المقصود هو حصار المسلمين ذاتهم وتضييق الخناق عليهم، خشيةً تكاثر يؤدي إلى زيادة حظوظهم وحقوقهم كمواطنين أوروبيين يشاركون باقي أبناء الشعب حقوقهم الدستورية، وإنّما توضع سلسلة الإجراءات لكي تَخلُص إلى أنّ الحق الدستوري في النهاية يجب أن يُفضي إلى الإلزام الاضطراري بان المواطن دستوريا يجب أن يتخلى عن إسلامه، ولذلك بدأت جهات أخرى تنشط في الدعوة لتضييق الخناق على الحجاب بكشف الوجه أيضاً بعد الانتهاء من النقاب . ومما يُشجع على ذلك الأمر شعور أوروبا بضعف التعبير والاحتجاج الرسمي العربي وحتى من الهيئات الدينية مع أنّ ذلك التعبير يُعتبر أصلاً حضاريا مشروعاً ينبغي أن يؤصّل بكل وضوح وفق أصول التعبير والاحتجاج المشروع المعترف بها غربيا لمنع أي وسائط أخرى غير محمودة النتيجة ولا الوسيلة، ومن هذه المسؤولية التي على الفقهاء أو المثقفين الشرعيين والفكريين أن يوضحوها التذكير بأن القول بالنقاب لم يكن عادة إنما حُكمٌ شرعيٌ لأحد قولين أصيلين في الفقه الشرعي قديماً، فكون الحجاب بكشف الوجه وفقاً لشروطه شرعيا لا يُلغي أنّ هناك أئمة وقولا قويا لدى المتقدمين بان تغطية الوجه عبادة مستقلة، فلا يَرى أصحاب هذا القول فُسحةً في تركه .
وكنتُ ادعو في أوساط طلبة العلم من حولي في الزمن السابق ألا يحرجّوا على من يرى من بلاد المسلمين والعرب الحجاب بالقول الأول في كشف الوجه بناءً على أن السائد في بلادنا هو القول الآخر فيُضيّق على الناس فيترك البعض كِلا الأمرين…وهو ما جرى بكثافة مؤخراً مع الأسف الشديد في بلادنا وفي باقي الخليج، فيما تحول الأمر الآن إلى تشكيكٍ من البعض في أصل القول بالنقاب وانّه عادة وليس ديناً وهذا عند من يعرف فقه الشرع وتاريخه أمرٌ مناقض للحقيقة .
وعودٌ على البدء نُعيدُ التذكير بما يُطالب به الغرب بل ويُمارسه من رذائل لبعض مواطنيه واذكر في ذلك قصة العشيقين في أحد سواحل الخليج اللذَين مارسا الفاحشة في العلن وحين رحلتهما السلطات قامت الدنيا ولم تقعد في صحافتهما، والأخرى التي كانت في شاطئ متعرية وهي شواطئ مع الأسف الشديد متواجدة في الخليج ولم تكن تلبس إلا نصف البكيني فاغتصبها عامل آسيوي فعوقب ورُحّل، وندد الإعلام الغربي به وبالأمن في هذه الدولة الخليجية، انها صورة من صور السخرية المقلوبة أن الفطرة الإنسانية التي اتفقت عليها ديانات الأرض والسماء وحافظت عليها قيم الشرق حتى عند غير المسلمين تُدان في حين تقدس الغريزة، ويحضرني في ذلك مقال لأحد كتاب الهند الهنادكة يرد على المثقفين الغربيين ويقول لهم إنّ الشرق يفخر بفضيلته وقيمه وهذه الانتهاكات الأخلاقية ليست مؤشّرا حضاريا ولا تقدميا فلا تخدعونا بترويج الانحراف الحيواني على أنها حضارة فلن نتخلى عن قيم الشرق الإنسانية . نعم إنها القيم وهي قيم فضيلة وتقدم للإنسان ترفعه عن شهوة الحيوان وغرائزه، وأن من المعيب أن نكون ورثة القيم والفضيلة والطهر التي تتناغم مع ثقافة الحقوق والعلو الإنساني المبدئي ثم نتخلى عنها بعدم الدفاع تاركين من اتخذوا قرار الوحدة مع دين القيم والفضيلة من الأوروبيين وحدهم، فيما يفرض علينا الغرب رذائله الغرائزية، وهنا أُذكّر بان الغرب ليس واحداً وان هناك مؤسسات مجتمع مدني وشخصيات تقاوم ولا تزال حملة المؤسسة الرسمية واليمينية ضد الإسلام وجمهوره، وعلينا أن نمد الأيادي ونحيّي تلك المبادرات ونشجعها، لكن الكارثة الكبرى حين تنطلق أصوات من أرضنا تعتذر للتعصّب الغربي وتُشكك في قيمنا، حينها اردد قولة أديب العربية الكبير مصطفى صادق الرافعي كنّا نحاور في الحجاب فصِرنا نُجَادَلُ في التعري .
العقل المعرفي.. الفارق الفلسفي الإسلامي مهنا الحبيل في رحلة الجدل الفلسفي المعاصر، تختط قواعد المقارنة…
أفق السلام الكردي-التركي مهنا الحبيل أياً كانت القراءات المختلفة، لموقف دولة بهتشلي القائد القومي التركي…
فرض الديمقراطية الدموية مهنا الحبيل يفكك روسو التحديات التي تواجهها السلطة الاشتراعية، وخاصة كونها القوة…
أصحاب الظرف الخاص في مجتمعاتنا العربية مهنا الحبيل هل توقفت يوماً عند ذلك الطفل، الذي…
رسالة للزواج الجديد مهنا الحبيل يبدو عنوان البرنامج الوقائي، لوازرة التنمية الاجتماعية في قطر، مهم…
الديمقراطية التي تحمي السيادة مهنا الحبيل يعرضُ روسو لطبائع الشعوب وما يُلائمهم من حكومات، كسلطة…