مهنا الحبيل
22/1/2023
إن هناك مساحة كبيرة للوطن العربي في افريقيا السمراء، التي تثبت الأحداث وسياسة دول التسلط الغربي، الرافضة لشراكتنا كعرب وأفارقة مسلمون، وجنوبيون من غير المسلمين من الوطن العربي وأفريقيا وغيرهم، أن كليات التصور بيننا وبينهم متقاربة في القيم والاستقلال، وأن بقاء مصالحنا ومصالحهم، رهن التدوير في قبضة الإرادة الغربية هو مضر بنا.
بل إنني أجزم أن هناك مساحة مشتركة لنا، في جغرافيا هذه الأرض، تحمل من القدرات والآمال، ما يمكن أن يصنع فارقاً يوقف هذه الهجرات، التي يندفع لها الشباب عرباً وأفارقة في جحيم خطوط الموت والتشرد، الذي يُنهك الشباب ويُسقط أحلامهم، وبعضهم ينجو وبعضهم تنهار به الدروب الوَحِلة، فتخطف حياته أو تغتال سكينته، حين تحل الفوضى بدلاً من النفس المؤمنة بالله، ربُ الصلاةِ وربُ الخير وربُ الأمل والنهضة.
وبالطبع أُدرك هنا مأساتنا الكبرى، في ظل سياسة القمع، وتغول الاستبداد، الذي يحيط بالأفارقة والعرب، كسوار المعصم، لكنني أقول إن علينا أن نعيد رسالة البحث في رابطة أمتنا الإسلامية، وشركائنا كعرب وأفارقة، ونبدأ رحلة تَجمعُ كل فرصة أمل، تُنفّذ في أرضها شتلة خير أو عتبة نهضة، وخاصة في المشاريع التعليمية والعلوم الاجتماعية، التي نفتقدها لقيام مجتمع مدني مسالم، قوي بذاته ومع شركائه غير المسلمين.
وهنا حين تقوم مشاريع استثمار تمول عربياً، وحتى أفريقياً عبر شراكة أكثر من دولة، يصعد فيها شباب مؤمنون بهذه الفكرة، ويحاولون ربط الجسور مع شخصيات فاضلة وسط هذه الأنظمة، أو أنظمة صادقة في تخطي حواجز القطيعة مع الشعوب، وتحاول أن تستقل عن قرار الغرب وارثه الاستعماري، فهنا تتعدد المحاولات حتى لو فشل بعضها، وتصبح المدن الجامعية التي تحتضن شباب أفريقيا، أو المدن الاستثمارية التي تتفق عليها دولتان وأكثر، مزارع لأمل الاستقلال لهذه الدول، وترصيف نهضتها.
هذا الفكر أمامه درب طويل، هذا صحيح، ولكن وجود جامعة إعلامية تخدمه، سيصنع أملاً مشعاً يرى الشباب فيه ضوءً آخر النفق، ويحملهم للبحث في حلول الداخل، في تعاون شبابي عربي أفريقي، فلماذا لا تتكرر تجربة رواندا في بلد أفريقي مسلم، ولماذا لا نحمي تجربتها من أي سقوط لا سمح الله، عبر دعمها بفكرنا الإسلامي، اليس الخير في الأرض، ونبذ الشر، هو مقصد قرآني مقدس، أوليس رسول الله صلى الله عليه وسلم، رحمة للعالمين مسلمهم وغير مسلمهم.
إن مقترح قناة الجزيرة أفريقيا، الذي اطرحه هنا، هو العمل على خدمة هذا المفهوم، وهو وحده مشروع، حيث تلتقي الجزيرة وتُنظّم قناتها الخاصة مساحة الجسور، بين دول أفريقيا وشبابها وبين الوطن العربي وشبابه، ولا أقصد مطلقاً أن تتحول القناة إلى أي ميدان صراع سياسي، لأن ذلك سوف يوقف مهمة المشروع الأصيل، في تغطيتها لهموم هذه الدولة الأفريقية وتلك، وسقف شعوبها للنهضة.
ولا بد هنا من المساهمة في معالجة فكر الغلو والتطرف، فتكون الجزيرة أفريقيا ليست بعيدة وحسب، عن منابر التطرف، ولكنها تدعم الكلمة الحُسنى للعلماء والمفكرين، الذين يسعون لإطفاء مراجل الغلو، التي تنتهي إلى رصاص وقنابل في جسد الشباب وبقية الضحايا، إن رواند اليوم، موقع مناسب لمثل هذه القناة، التي تحدد فيها لغة التأثير الكبرى، مع حضور اللغة العربية.
وخاصة أن الهدف هنا يشمل المسلمين وغير المسلمين، وهو بنيان تحالف إنساني يدعم فكرة الشراكة بيننا وبين أفريقيا، ليبدأ العالم الثالث رحلة التحول إلى العالم الثاني ثم الأول، تحول أخلاقي قيمي وحضارة تخدم الإنسان لا تستخدمه، وهي المعادلة الفارقة التي نختلف بها عن الغرب.
وحيث أن هناك تجربة تعاون بين الجزيرة ومؤسسة قطر للعلوم والثقافة (قطر فاونديشن) (كتجربة قناة الجزيرة للأطفال)، وأن الأخيرة تمتلك مؤسسات أكاديمية، فأرجح أن يكون هذا المشروع بمشاركتها، وأن يؤسس مركز للفكر التنموي الإنساني، الذي يشرف على المشروع، وهو يعتمد مفاهيم الفلسفة الأخلاقية الإسلامية، ضمن برنامج مؤسسة قطر، ولست أحصر الاقتراح في هذا النموذج.
ولكن المهم أن تُخدم الفكرة، فالجزيرة أحد أبرز التجارب الإعلامية الناجحة، التي حققت فارقاً نوعياً، يقر به من اتفق معها أو اختلف، أو كانت له مساحة نقد، بسبب بعدها عن تعزيز خطاب النهضة، وانغماسها في خطاب الصراع السياسي، فهي قوية ومؤثرة، وبوابة انفتاحها النوعي على افريقيا، ستمثل نقلة أخرى لصالحها وصالح قطر.