“مالكوم إكس..قراءة في كفاحه المدني”

سابقًا وعن أولى جلسات مقهى المهجر الكندي كتب أ. الحبيل انّ ابتسامة وجدان داهمته،وحوار ضمير جرى بينه وبين جبران-ضيف تلك الجلسة- عند استحضاره روح التحدي الملهم لجبران واصراره على بث روح الحياة في أدبه ورسائل خطابه.
سالت نفسي هنا هل عاودته ذات الاختلاجات في سادس الجلسات؟

“لقد تعلمت باكراً أن الحق لا يُعْطى لمن يَسْكت عنه، وأن على المرء أن يُحْدِث بعض الضجيج حتى يحصل على ما يريد”

فمالكوم إكس أيقونة نضال وكفاح، وجزيرة عصيّة على الغمر والإهمال، ظل شعلة مضيئة في قلوب المستضعفين بسيرته المركبة ورسائله العميقة، وسؤال اليوم كما البارحة:
هل ارتقت البشرية لدرجة الإنسانية؟
هل فُتح مسار جدل المعرفة بين الشرق والغرب بمعايير العقل، وكونية القيم لقياس درجات التفوق الفلسفي الإنساني؟
وهل تم استيعاب الثقافة الناتجة من خطابه المدني في الشرق وفي المهجر الغربي للمساهمة بصورة كافية في تأسيس قيمي بعيدًا عن الصراع بين التفصيلات؟

مساء السبت/14 من سبتمبر/2019 وكعادة اللقاءات تسودها أريحية التناول والنقاش حول الفكرة المطروحة، كانت رحلة مالكوم إكس ودلائل تجسيدها للعدالة الاجتماعية النابعة من تشبعه بالروح الإسلامية وفكرها المدني للتعايش الإنساني.

” لا إنفراج إلا بعد شدة ولا معنى للحرية إلا بعد الأسر والعبودية”

بدا أ. مهنا الحبيل باستعراض مسيرة المناضل الأمريكي الأفريقي منذ بدايات النشأة ومعايشة أبشع صور العنصرية والاضطهاد الذي لامسه في أسرته ومأساة قتل والده وحصار والدته والتضييق عليها معه ومع أخوته، وصولًا لكسر روح الطموح في شخصه عندما رد عليه أستاذه أن المحاماة التي يرغب بها كتخصص ليست متاحة للسود.
فهذه الرواية الحياتية وقصة العذابات التي تئن بها تلك المرحلة من التاريخ الأمريكي، هي دليل تاريخي على ان خروج أمريكا من الرّق تبعه مرحلة “استعباد مدني” بلفظ أ. الحبيل وهي مرحلة عزل السود بقوانين وإجراءات عنصرية.

ومن بُعدٍ آخر يرى أ. الحبيل أن سيرة حياته تعكس جزءًا من شخصيته ونفسه “صعبة المراس” والتي شكّلت خطوطها الواضحة في كفاحه إيجابا وسلبا.

وعن إصرار مالكوم إكس في سرد تفاصيله بما فيها مرحلة الانحطاط الأخلاقي التي عاشها، يحصر لنا ا. الحبيل ثلاثة رسائل منه عن تلك الفترة:
/ قراءة جدلية المستضعفين ومعادلة صراع القاع المجتمعي المتأرجحة مابين الانحطاط الأخلاقي والحرص على قضيتهم القومية، وكيف استطاعت هذه القضية توحيدهم من كافة اتجاهاتهم.

/الحث على دراسة تلك المرحلة من التاريخ الأمريكي وحالة الفشل الاجتماعي الذي صحب القائمين على إطلاق الحقوق الديمقراطية وماخلف ستار هذا الحراك من سلوكيات أخلاقية منحرفة، وكيف سَلَّطت الأداة الإعلامية تركيزها على السود دون البيض، لتصعيد عنصرية العرق وربطه بالتخلف والانحطاط.
وهنا رسالة لمن يصدّق بان للعرق أصل في هذا التباين..
” إنني باحث عن الحقيقة وإنني ازن الأشياء بموازينها وان ما اعارضه هو الأفكار الجاهزة والمجتمعات المفصّلة على مقياس واحد”

/ والرسالة الثالثة بعث الأمل اقتباسا من مالكوم إكس
” ما أُريد بلاغه أنني كنت أسفل سافلين في قاع المجتمع الأمريكي عندما اهتديت إلى الله وإلى الإسلام تغيّر مجرى حياتي”.

وكما يقولون ” ليس كلّ سوءٍ سوءًا محضًا”
كانت الانعطافة الإيجابية في حياة مالكوم إكس بمحنة دخوله السجن؛ حيث التحول الكبير من فتى الشوارع إلى المثقف المعرفي وكما قال عن نفسه” خريج جامعة الكتب”
وكيف ساهمت القراءة المعرفية في تحويل حالة الغضب لديه إلى منظومة فهم واستيعاب للتاريخ الاجتماعي، ثم الى توظيف المعرفة في خلق جو ثقافي مميز وقوي لخطابه الحقوقي.
“إن الناس لا تعرف ان كتابا واحدا كفيلا بأن يغيّر مجرى حياة الإنسان”

ونستمر مع أ. الحبيل ودلائل سيرة مالكوم الفكرية حتى نصل لدخوله الإسلام والانضمام لجماعة أمة الإسلام.

وهنا وقفات ورسائل:

/ بعد أن كان يلقب بالشيطان لقوة منظومته الالحادية الفلسفية، يقول ببداية مسار الشك في الكفر بالالحاد،

وهنا رسالة أن النظرات العقلية الراشدة تؤدي للايمان عقليا، ولا علاقة لهذا بنوعية الخطاب المتردي.

/ في اشارته لبعض القساوسة وخطابهم الداعم للظلم، وقوله “بالمسيح المزيف” ذات التوظيف يتكرر حتى يوم الناس هذا.

/ رؤية ا. الحبيل الى “إليجا محمد” وتشديده على بث روح الاخلاق السلوكية في جماعته -رغم الانحراف العقدي المعروف عنها- مما ساهم في انتاج مجتمع جديد بخلاف مجتمع الانحطاط السابق، الأمر الذي شكّل قاعدة لرحلة مالكوم الجديدة واستثمار رسائله المشبعة بالعاطفة في التأثير على المجتمع.

وهنا نقرا ضرورة الحذر من انحراف شعبوية الخطاب، إلى عنفٍ شديد تجاه كل الآخر؛ فتنقلب النتائج الى نقيضها، وهي رسالة للمهجر اليوم في رحلة كفاحه للحقوق المدنية.

فبراير/ 1965م صرخت الإنسانية باغتيال الشاب الأسود الذي زمجر عاليا في وجه اختلال ميزان العدالة الاجتماعية، فما مؤشرات قبل اللحظة الأخيرة؟

في نقاط نقرأ مع أ. الحبيل رسائل ماقبل الاغتيال:

/ اشارات إليجا محمد بأن مالكوم أصبح يفوقه في قوة التأثير بعد ارتقاء خطابه الفلسفي ليقرر تعليق نشاطه من منظمة أمة الإسلام، وهنا رسالة بأن الغيرة والحسد من أبواب التوظيف ضد الفكر المنافس.

/ عدم الترحيب باعتداله وتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية الأمريكية، التي أكدت أن العنصرية هي المشكلة وليس البيض، وكسبت بشكل لافت، وهنا رسالة بأن انفتاح الكفاح ليصير أُمميا غير مرحب به.

/ شراكته مع مارتن لوثر كنج وبث روح جديد من الفلسفة المؤثرة والتي تعزز حركة الحقوق المدنية، أيضا كان اتجاه غير مرحب به، لذا عمل الاعلام وبعض من المؤسسات الاجتماعية على قتله معنويا قبل الاغتيال.

/ رصد مواسم التضامن السياسي ووعودها دون الخروج بتشريعات تحفظ الحقوق، رسالة تنبيه لنفس الممارسة في المواسم السياسية مع المهجر الغربي مازالت تتكرر.

نسأل الله الرحمة لمالكوم إكس

“عاهدتُ الله على ألا أنسى أن الإسلام هو الذى أعطانى الأجنحة التي أحلِّق بها,ولم أنس ذلك أبداً…لم أنسه لحظة واحدة”

وكما هو المعتاد كانت المداخلات واثارة الافكار من الاسئلة داعما للفكرة الرئيسة للمقهى، على أمل اللقاء القادم بعون الله منتصف أكتوبر وحديث آخر.

الخنساء