Categories: مقالات

مبادرةأثيوبية_قطرية مقترحةلإنقاذ السودان

مبادرةأثيوبية_قطرية مقترحةلإنقاذ السودان

مهنا الحبيل

27/1/2019

تبدو الأحداث في السودان في صعودٍ مضطرد، يكاد يقترب من حسمٍ جديد لتاريخ السودان الحديث، في حين ينقسم الرأي العام العربي أمام الانتفاضة الشعبية والقمع الإجرامي لها، الى ثلاثة اتجاهات:

الأول الشعور بالتضامن ودعم حراكها أيًّا كان اتجاهه، مأخوذاً بشعور النشوة بأن إرادة التغيير نحو العدالة والحريات، تعود للوطن العربي رغم كل الحروب التي شنتها الثورة المضادة، وبرغم فشل بعض أطياف الربيع العربي في إدارة حراكهم، فعاد الاستبداد أو الفوضى الشاملة.

  الثاني رفض كلي ليس بالضرورة من جمهور الثورات المضادة فقط، ولكن من ردة الفعل على الحصاد المروع والذي ينسب خطأً للربيع العربي، والحقيقة أن التدخل المتوحش للثورة المضادة كان سببه الأكبر، وهذا لا ينفي أخطاء أو صراعات تجزيئية مارستها قوى الربيع العربي.

  الثالث يراقب بحذرٍ وحب وإكبار لا حدود له، روح الشهادة والكفاح التي تقف أمام الاستبداد عارية الصدر فتأمره وتنهاه، وتخر شهيدة في سبيل الشعب والحرية، ولكنها تعي تماماً الظروف المحيطة بالوطن العربي، والحسابات الإقليمية والعربية والدولية، التي تخشى من سودان ديمقراطي حر، ومن رياحه على المنطقة وخاصة في مصر.

  القلق الثاني هو أن بنية التيارات السودانية، ولغة خطابها اليوم، تشير إلى جذوة صراع جاهزة لاستثمار الخصوم، وخاصة بعد تصريح علي عثمان طه السيء، ومآلات الشهداء بعده.

ويضاف إلى ذلك صورة التكدّس الضخم، الذي خرج في كل بلد عربي، سواءً بنموذج الدولة العميقة، أو في الواقع المعيشي، وحصاد سياسة الاستبداد، الاقتصادية والاجتماعية، والتي تنفجر في وجه أول عهد يعقب الاستبداد، فهذا الخليط الخطير، لا يظهر اليوم أمام الروح النضالية السودانية.

  وهنا الرأي الثالث، لا يُقلل من جدوى هذا الحراك ولا التدافع، ولا يُخفف من آثار بأس نظام الرئيس البشير، وكل انحرافاته، ولكنه يعتقد أن الاتفاق على مرحلة انتقالية يخضع لها النظام، وبوساطة موثقة، قد تكون هي الحل الأفضل، وأن سلامة المرحلة من أي انتقام عشوائي، من بين العهد القادم والعهد الراحل، هو ضرورة للبنية الاجتماعية للسودان الجديد.

  إن مهمة أثيوبيا اليوم بشخص رئيس الحكومة المنتخب آبي أحمد، تقوم على أن له حظ ومساحة احترام، من الأطياف السودانية، كونه أتى بعهد ديمقراطي، ومارس سلطاته بنموذج ديمقراطي، وسعى بأن يحل السلام والتكافل بين دول القرن الأفريقي، ولا يُحسب مطلقا على التيار الحربي ضد الإسلاميين، وليس أحد المتأثرين بهم، فوضع الإطار السياسي المقترح، تؤهله لتأمين انتقال السلطة، عبر مراقبة مقبولة للطرفين من أديس أبابا.

  في حين تمثل الدوحة بعلاقتها مع الإسلاميين، وجسورها القديمة معهم مدخلاً لاحتواء معارضتهم، وإن كان المشهد السياسي الموالي للبشير ليس محصوراً بهم، بل بقبائل مصالح متعددة، كما يجري في كل نُظم الوطن العربي.

ورغم الجفوة الشديدة والكراهية التي وجهت للشيخ حسن الترابي، من المعارضة العلمانية، غير أن ما طرحه قبل رحيله، لتاريخ معركة كبرى بينه وبين البشير، كان الجزء الرئيسي فيها، ظاهرة الفساد لدى اسلاميي السلطة، وصراعه من أجل حرية الشعب وممارسته للحكم، اقليمياً وفدرالياً، وهذا يجعل رفض كل فكر الشيخ حسن، وتحميله خطايا تجربته السابقة مع البشير، انحياز غير منصف، فضلا عن وضع كل اسلاميي السودان في سلة واحدة.

  ولو جاز التعميم لكان النموذج المصري، نموذجاً صارخاً في حجم التورط العلماني، في اسقاط ثورة 25 يناير، وهذا التعامل الأخلاقي، والوطني الاجتماعي، سيشجع اسلاميي السودان على دعم خارطة الطريق، يبقى هنا للدوحة اسناداً نوعياً آخر، يتحرك بصورة مركزية عند أول تسلم المرحلة الانتقالية، في شراكة نوعية مع السودان، ليكون راس المال القطري، داعما لذلك العهد.

  وكل ما طرحته أضعه في سياق ضرورة، تنحي الرئيس البشير عن السلطة، بجدولة يُتفق عليها، وضمان أن تكون جهة الاشراف على الانتخابات القادمة بعيدة عن أي تدخل أو تزوير، عبر حكومة انتقالية ومراقبة إفريقية ديمقراطية.

mohana63

Recent Posts

عقل الجزائر..مالك بن نبي

عقل الجزائر.. مالك بن نبي مهنا الحبيل خاض مالك بن نبي معارك كبرى، اشتبك فيها…

4 أيام ago

المؤتمر العالمي الكوني2050م

استأنفت أوروبا الأخيرة حياتها السياسية بعد هيمنة الحداثة، وكل الأحزاب ذات الصفة الاشتراكية العامة باتت…

4 أيام ago

التاريخ الروماني العشائري

التاريخ الروماني العشائري مهنا الحبيل أن هذا الشعب (روما) العظيم (مع كثير) من سوء استعمال…

أسبوعين ago

مزرعة الحيوان..البحث عن الكون الآخر

مزرعة الحيوان.. البحث عن الكون الآخر مهنا الحبيل حاول (إريك آرثر بلير) جورج أوريل عبر…

3 أسابيع ago

سؤال الهجرة المعاكسة بعد الانقلاب اليميني

سؤال الهجرة المعاكسة بعد الانقلاب اليميني مهنا الحبيل تثبت التوجهات القانونية والسياسية الأخيرة في أوروبا،…

3 أسابيع ago

مع الهمجية ضد التمدن

مع الهمجية ضد التمدن مهنا الحبيل يراوح روسو نظرته النقدية الصارمة للتمدن مقابل التبسط، والفلاحة…

3 أسابيع ago