مهنا الحبيل
18/12/2022
كان من المفترض أن أصل إلى موعد الزيارات المجدولة لمبنى الأمم المتحدة في نيويورك، الخاصة بالجمهور العام في العاشرة صباحاً، غير أني أخذتُ من فندقي القطار الخطأ (الصبوي) في الاتجاه المعاكس، ولكنها كانت فرصة إضافية، للتعرف على تعامل الجمهور العام في المدينة الصاخبة نيويورك، والجميع كان متعاوناً في إرشادي.
ومن حسن حظي أن فريق الاستقبال وسكرتارية التنظيم، لم تؤخر دخولي فأُلحقت بالمجموعة التالية، حيث تنظم المجموعات بحسب الوقت وبحسب اللغة، لم تكن اللغة العربية متاحة، لكنني أظن أن السبب هو قلة المسجلين ذلك اليوم من الناطقين بها، فكان من المناسب لي أن أدخل في مجموعات اللغة الإنجليزية، ولكون غالبية مجموعتي من النرويج، فقد اختير لنا مرشداً من النرويج كذلك، يتحدث الإنجليزية، وهو أحد أعضاء القسم المختص باستقبال الجمهور.
عند دخولي المبنى وقبل الاستقبال، شَخَصَ لي مجسم للزعيم الوطني المقاوم نيلسون مانديلا، وهو تمثال أهدي إلى المنظمة (UN) من دولة جنوب أفريقيا، ولعل حضور مانديلا هنا يطرح المفهوم الآخر عن الأمم المتحدة، فكفاح نيلسون مانديلا لم تحسمه قراراتها، ولكن مصابرته، ثم الإيمان بعدالة قضيته، وكفاحه بما فيه المسلح.
وتجاوزه للاختراقات، التي سعى عبرها نظام الفصل العنصري في (بريتوريا) التي تحتل وطنه، وداعمي قوميتهم الغربيين، إلى أن يُفرق الشعب العريق من خلال النزاعات بين قبائله، ولعل مانديلا حين اختار المصالحة لا الطرد للقوة الغربية الاقتصادية، وبقاء الجاليات المستوطنة، ضمن مواطني دولة الحرية الجديدة، اختار تمهيداً مهماً لقيام الدولة الحديثة، والتي ينقصها الكثير، حيث عاشت قبائلها مواسم طويلة من العزل والتجهيل.
وهناك تحديات تحيط بواقع جنوب أفريقيا اليوم لا يمكن أن نعرضها الآن، لنقيس عبرها نجاح رأي مانديلا، وإن كانت روح المصالحة الوطنية التي قامت على الاعتراف بالخطايا ضد الأفارقة، شكّلت قاعدة انطلاق مهمة، لميلاد الدولة، التي قرر مانديلا أن يُنهي فترته في حكمها، ويسلمها للجيل الذي يليه، يظل الشاهد هنا هو أن الأمم المتحدة عبر الجمعية العامة، مثلت دعماً معنوياً لكفاح مانديلا في قصية الفصل العنصري.
لكنها لم تكن حاسمة في إعلان الحرية، ونحن اليوم بين مسارين مزدوجين في عرض المفهوم الإسلامي للأمم المتحدة، والذي حين نطرحه في سياق دعوة شعوب هذا العالم للاتحاد على الخير ونبذ الحروب، والتعاون في السلام ووأد الحرب، نجدها قيماً مؤكدة في كتاب الله، ولها شواهد عديدة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فما دُعي للسلام إلا لبّى ولا لنبذ حربٍ إلا أجاب، وهذا لا يمنع من القصاص، ولا دعم الشعوب البريئة من ظلم العهود الجاهلية.
وغير صحيح أن مفاهيم التضامن والتعاون على البر والتقوى، محصورة بين المسلمين، فالقرآن الكريم يهدي إلى الإحسان وليس فقط نبذ العنف (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ۚ إن الله يحب المقسطين) فالأصل في التعامل مع المجتمعات والأفراد هو هذا السبيل المشترك بين البشرية، والله الذي خلق الشعوب والقبائل ليتعارفوا، يعلم أن فيهم المؤمن وغير المؤمن.
إذن نحن نتكئ على أصل قوي في قناعتنا، يُثبّت هذا المفهوم المهم، لاستقرار الحياة الإنسانية لكوكب الأرض، ويؤكده تقبيح الباري عز وجل للحرب ودعاتها، وأن الله جل في علاه يبارك إطفاءها وإطفاء الفتنة لإيقاظها، فهذا مسار موثق في الشريعة الإسلامية، لا يمنع حق الكفاح ورد المعتدين والغاصبين، وهناك مساحات ضخمة في هذا الإطار الكوني العالمي، كان يمكن للبشرية أن تستهدي به، في تكامل غذائها ودوائها، ورعاية أطفالها.
فمن أخل بهذا النظام؟
إن تاريخ تأسيس الأمم المتحدة كمنظمة دولية، هو في ذاته يحمل إشكالاً عميقاً، فالمنتصرين في الحرب العالمية، هم في ذات تاريخهم، لديهم إرثاً من الاستعمار ومن الطبقية المتطرفة في التعامل مع بقية الشعوب، كما أن تقسيمهم لهذه المنظمة، إلى غرفتين واحدة هي مجلس الأمن، من يحسم فيها الدول دائمة العضوية، وقراراتها نافذة فيما يشتهيه المهيمنون، وأخرى هي بقية أعضاء الأمم المتحدة من دول لا تمتلك لقراراتها، أداة تنفيذ ولا محاسبة، وهو ما أخل بموازين المساواة بين قدرات الأمم والشعوب.
وحين وقفنا في جولتنا على مبادئ حقوق الإنسان، فإن ضلع العائلة والطفولة منقوض هنا، عبر إقحام المثلية في تشكيلات الأسرة، فهل هذا يمثل مبادئ كل الأمم بما فيهم شعوب غربية وأفريقية وآسيوية؟