مهنا الحبيل

28/1/2024

كان اللقاء الذي أجريتُه، بدعوة كريمة من مركز آسيا والشرق الأوسط، في كوالالمبور محدوداً في حضوره ومركّزٌ في مادته، فالمركز أسسته نخبة فلسطينية في ماليزيا حديثاً، يمثلها د. مسلم عمران وشباب آخرين، الحديث الذي اخترت عنوانه، كان يستدعي أزمة الشرق المسلم الضخمة، في عجزه الكبير أمام هولوكوست غزة، كان القصد محاولة البحث في جذور هذا العجز، وبعث الأسئلة التي يجب أن تنطلق من خارج الصندوق.

 وخاصة أن المركز كما أكد لي المسؤولين (think tank centre)، وواحدة من أزمات التفكير العربي المعاصر، رغم حشد المسميات في المراكز والمؤسسات هو غياب الجدولة الفاعلة، في هذا النوع من الحوارات، الذي يقتضي بالضرورة فصل العاطفة عن محاور التفكر والتفكيك، في قضايا الأزمات وفي البحث عن فُرص العبور، سواءً كان ذلك من خلال مشكلة جذرية للدولة القُطرية المسلمة، أو كان من خلال قضية التخلف أو التفكك أو حتى السقوط الكلي، للشرق المسلم في مساحة القبضة الغربية المطلقة.

 وهي الصورة التي قدمتها بقوة مأساة غزة، وما طرأ من صراع وخلاف على تقدم المحور الإيراني عبرها، في نسبة القضية له ورعايته لها، لم يكن إلا نتيجة في الأصل، لحصيلة الخذلان والتواطؤ على غزة، وكل ما يقال من أباطيل في التشكيك في مواقف حركة حماس، قبل انعطافها الأخير نحو إيران، هو كومة حجج كاذبة، لتبرير مشاركة العرب في حصار غزة، ولم تكن تلك الشيطنة إلا هجوماً من طرفٍ واحد، هو بعض النظام العربي الرسمي.

فحماس في قيادة خالد مشعل، التي أزيح منهجها وتحاربها طهران اليوم حتى لا تعود، ظلت متمسكة بمنهج القائد الملهم المؤسس، الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، في عقيدة تجنب التورط مع أي محاور للأنظمة الرسمية العربية والإسلامية، والاستفادة من الدرس الموجع البليغ الذي انتهت له فصائل المقاومة القومية، كما شرحناه في مقال سابق في صحيفة الوطن، لكن التضييق والعربدة في الخطاب والشيطنة لحماس، ظل متواصلاً، بل ويُمارس من البعض حتى اليوم، في حرب العدوان المستمر على غزة.

حتى جاء التغير الجديد الذي عملت عليه طهران، من خلال التركيز على بعض الشخصيات، ومن خلالهم تم إمداد المقاومة، ولسنا هنا في مجال إعادة التذكير، بأن الرفض لربط المقاومة بإيران، ليس لخلاف مذهبي، ولا لانتماء قومي، ولكن لمشروع طهران التدميري القائم، بل المعلن في مسيرة الثورة وفي أدبياتها، ومنذ اسقاطها بغداد مع المحتل الأمريكي، حتى مشروعها النهائي، الذي كان يُعلن أيام المجلس الأعلى لتصدير الثورة، والعمل على ضم كل إقليم عربي ممكن إلى امبراطوريتها الطائفية.

لكن الغدر العربي بشعب غزة، هو السبب الأول الذي أعان طهران، على الدخول على خط حماس، ثم التحول الذي أحدثه التفكك العربي بعد أزمة الخليج، وبالتالي كُشف ظهر غزة في العدوان القائم، ولم تتقدم طهران لمشاركة ردع فارقة، وضبطت ايقاعات حزب الله، حتى مع سقوط بعض مقاتليه، لكن دون أن تتوسع لتتحول الاشتباكات إلى مواجهة إقليمية، تضغط لصالح غزة.

 وبقيت هنا مساحة الحوثي وما أحدثه من خرق لقواعد اللعبة، أثر مؤكداً على سياقات الموقف الجيوسياسي المتواطئ على غزة، فهل هو روح يمنية عربية غيورة، أم ضمن مساحة التضحية المقبولة لجناح بعيد أقل أهمية لإيران؟

في كل الأمور فإن هذه الروح تقدر ويُقدر موقفها، وندعو الله لسلامة اليمن وأهله، مما يُخطط لهم، وأن تعود وحدة أهل اليمن عبر استقلال الشرعية واستقلال الحوثي، والتوجه نحو اليمن العربي التاريخي لا الوظيفي للخليج ولا لإيران.

       إذن الواقع العربي الرسمي هو المسؤول عن هذا المآل، ولم يتجاوب رغم كل جهود أبو الوليد في مد اليد له، وهنا عدنا إلى السؤال من يصنع الفارق الغائب، هذا الفارق هو الذي يجعل الصهاينة ومرجعيتهم الغربية، تستمر في المذابح، في دماء أطفال غزة وفي هدم كل شبر منها، ولا يلتفت الصهاينة والامبريالية العالمية، للتوقف برهة، باستثناء هبة جنوب افريقيا، التي جرجرت العدوان رغماً عن أنفه، إلى مؤسسة دولية هي ضمن أدوات القوة المركزية، لكن بقيت لها مساحة في العالم الثالث قفزت لها اليوم أمة مانديلا.

فأين هو الدور الإسلامي المقابل وليس فقط الدور العربي، لا يكاد يذكر!

وأين هي بقية مآسي المسلمين، لماذا وصل الواقع العربي إلى حالة مشابهة إلى ما قبل الاستقلال، هل استقل العرب بالفعل، أم أن المشهد يعطي دلالة أخرى هنا يكمن السؤال الأخير.