مهنا الحبيل
31/7/2022
الرواية التفصيلية التي سردها غازي القصيبي، عن علاقة الزعيم الليبي معمر القذافي بالحكم السعودي، غريبة ومشوقة وقد تبدو متناقضة مع سياق الأحداث، أو متفقة بحسب ما هو مشتهر عن أطوار القذافي ومواقفه المسرحية، التي وثقت عنه بالفعل مع الدول العربية أو غيرها، يُلاحظ على غازي هنا أنهُ مقابل الميل والتبرير للرئيس التونسي الحبيب بو رقيبة، فهو لم يجد أي مساحة اعتذار لمغامرات القذافي، وكانت سخريته المدللة بمواقف حقيقية، سنداً كافياً للقارئ وهو يتابع بشغف أحداث مذكرات الوزير المرافق.
تؤكد هذه الشهادة تاريخ معاناة الشعب الليبي، وفهم لماذا ولد المشهد في ليبيا على هذه الكومة من الصراعات، وانفجار القبليات والمناطقية بعد ثورة فبراير، فلم يكن الفراغ يشمل البنية العمرانية فقط، ولكن بنية الدولة المدنية الدستورية والمجتمعية، كان القذافي يُدير الدولة عبر فنتازيا تقوم على تقديس ذاته، وتجريب أفكاره (النوعية) في حمقها، على أهل ليبيا وعلى محيط تدخلاته العربية والأفريقية الواسعة، ويصب عليها من ثروة الشعب لصناعة امبراطورية مزعومة من قش.
وهنا يروي غازي حكاية فريدة في زيارته للسعودية بعد تقارب في العلاقات، كان سببها بحسب شهادة القصيبي موقف الملك خالد من زيارة السادات لإسرائيل، كما أن سياق القصة يشير إلى اهتمام القذافي بهذه العلاقة، رغم التباين الهائل في محاور الدولتين وطريقة الحكم بين الأسرة السعودية وبين ثورة الفاتح.
كان القذافي يرفض ترتيبات البرتوكول الرسمية للدول، ولكن حين يصل إلى هذه الدول، قد يلتزم بنظام التشريفات، في زياراته للسعودية خلال حكم الملك خالد، قررت عائلته أن تذهب إلى التسوق في الرياض، ربما كان ذلك خلال الرخاء الاقتصادي الذي يستذكره السعوديون في عهد الملك خالد، كما أن الرياض كانت تعتبر ضمن مخازن التسوق الكبرى، لحجم ما يرد إليها حتى لو كانت بعيدة في ذلك الزمن، عن نماذج المولات.
أصّر القذافي وبشدة على أن تذهب زوجته وأطفاله مع طاقم المربين أو الخدم الخاص، دون أي حراسة أو تأمين ورفض مرافقة الحرس الملكي المكلف، في حينها كانت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في موقع الدعم المطلق، وكانت قبضة الهيئة على الناس وخشيتهم منها، وحصارها لهم ولخصوصياتهم أكثر من خشيتهم للشرطة، وهو ملف اجتماعي ديني سعودي لسنا في وارد عرضه اليوم.
وبحسب رواية غازي أن احد المربيات الأجنبيات، المرافقة لأطفال القذافي تعرضت لهجوم من عضو الهيئة بسبب عدم حجابها، ولباسها القصير، فهوا عليها (المطوّع) توبيخاً ولعله مسّها بخيزرانه، غضبت الأسرة، واستعانت بمرافقيها للعودة للسكن، ورويت الحكاية لمعمر القذافي، فانفجر غضبه، وهدد بأنهُ سيعلن فشل الزيارة ويغادر الرياض، تدخل الديوان الملكي وحاول تهدأة الموقف، وشرح للوفد بأن الأمر ليس متعمداً ومخصوصاً بأسرة الزعيم القذافي، لكن الغضب ظل مستعراً، حينها ذهب الأمير فهد إلى القذافي وأكد له موقف الدولة الرافض لما تعرضت له أسرة القذافي، ولكن لا يمكن استدعاء (المطوّع) بحسب طلب القذافي للقائه.
لم يهدأ معمر حينها ولكن الملك خالد في اجتماع خاص قال له، سنتفهم موقفك في اعلان فشل الزيارة ولن نغضب من مغادرتك المفاجأة، لكن كن على علم أن الرئيس السادات سيفرح بذلك وتكون خاسراً، بسبب تقارب موقف القذافي مع الملك خالد ضد مشروع السادات الإسرائيلي، حينها اقتنع القذافي بالتراجع واكمال الزيارة، لكنه أصر على طلب حضور رئيس الهيئة أو لقائه، ورُتب الموعد ليعظ القذافي شيخ الهيئة الكبير، ولم يعرف حسب رواية غازي نتيجة الحوار.
موقف عجيب وحكايات تتغير، فماذا لو كان القذافي حياً اليوم وزار الرياض التي تديرها اجتماعياً هيئة الترفيه اليوم!
المهم أن العلاقات استمرت وطلب القذافي من الملك رد الزيارة التي حضرها أيضا غازي القصيبي ضمن الوفد المرافق، وهي حكاية أخرى من حفلة الاستقبال التي تهتف بصخبٍ لمعمر، إلى مقر الوفد المقطوع عنه الهاتف في الغرف، والمشاريع التي طرحها معمر القذافي، وكان حينها بحسب إصراره في تعريفه الرسمي مواطن ليس له أي منصب، وأن الحكم يُدار من اللجان الشعبية.
غادر الوفد وتغيرت العلاقات السعودية الليبية، لكن من أشرب الكأس المر في حياة القذافي ومن أثّر صنعه بعد رحيله هم شعب عمر المختار الكريم، اللهم هيء لهم أمر رشد تنهض به ليبيا إلى أعلى مصاف الدول.
العقل المعرفي.. الفارق الفلسفي الإسلامي مهنا الحبيل في رحلة الجدل الفلسفي المعاصر، تختط قواعد المقارنة…
أفق السلام الكردي-التركي مهنا الحبيل أياً كانت القراءات المختلفة، لموقف دولة بهتشلي القائد القومي التركي…
فرض الديمقراطية الدموية مهنا الحبيل يفكك روسو التحديات التي تواجهها السلطة الاشتراعية، وخاصة كونها القوة…
أصحاب الظرف الخاص في مجتمعاتنا العربية مهنا الحبيل هل توقفت يوماً عند ذلك الطفل، الذي…
رسالة للزواج الجديد مهنا الحبيل يبدو عنوان البرنامج الوقائي، لوازرة التنمية الاجتماعية في قطر، مهم…
الديمقراطية التي تحمي السيادة مهنا الحبيل يعرضُ روسو لطبائع الشعوب وما يُلائمهم من حكومات، كسلطة…