مهنا الحبيل
تصادف إكمال السنة السادسة في مهجري في كندا، مع التعرف على شخصية عربية ثقافية قديرة قَدِمت حديثاً للانضمام للأسرة العربية الكندية، وبالخصوص منتديات الثقافة العربية، وحين أطرحُ رؤيتي في قضايا كندا ومشهدها الثقافي العربي وغيره، فهو هنا يحدد رؤية مهنا الحبيل من خلال رحلته وتجربته فقط، وليس واقع كل المشهد العربي، ولا مسرح فعالياته، ولا توجهات نشطائه، وتياراتهم الفكرية المتعددة، أو مذاهبهم الأدبية وأنشطة هذه المجموعات، التي لا يمكن لمثلي حصرها.
ورغم وجود تباين كبير بن حيوية الولايات المتحدة الأمريكية، وتوسع وتعدد الوجود العربي فيها، والتدافع السياسي للعرب الأمريكيين، مقارنة بالعرب الكنديين، فإن الحضور العربي في كندا يتكاثر، وبالذات بعد تراجع حقوق التجنيس وبطاقات الإقامة الدائمة في أمريكا، مقابل التسارع الكبير في كندا، رغم أن هذا المسار يخضع لتقييدات قانونية من اوتاوا، بدأت بالفعل منذ أشهر قليلة.
ولكن المأزق الكندي هو في إشكالية مغادرة الحاصلين على الجنسية، حتى من ذوي الأصول الغربية، ولكنه يتزايد في الأقليات، مما دفع وزارة الهجرة الى تنظيم ورش حوار وتفاعل، مع بعض المهاجرين، طرحت فيه سؤال لماذا ينتقل أكثر من 60% من الحاصلين على الجنسية الكندية إلى أمريكا، وهي إحصائية لا تعني أنها ثابتة، لكنها تؤكد وجود هذه الظاهرة.
ومع السبب المعروف لما يسمى بكآبة الطقس، وخاصة موسم الثلوج، هناك أسباب اقتصادية تتقدم فيها أمريكا على كندا، رغم ارتباط أوتاوا التاريخي والديمغرافي العضوي بالشمال الأمريكي، أما الجانب الجديد فهو العنصر الثقافي الاجتماعي، بعد الحملات الغريبة من الحكومة الفدرالية، على القيم المشتركة للأسرة الفطرية، وقبلها قوانين حكومة كيبيك، التي واجهت المسلمين أكثر من غيرهم.
وفي الحقيقة أن كندا لا تزال تحمل عناصر ايجابية، حتى في التكيف مع معادلة الطقس، وبالذات في المقاطعة الكبرى، حيث يتدفق المهاجرون، والذي أكده دوج فورد مؤخراً حاكم اونتاريو، وقال أن كثيراً من القادمين إلى مقاطعات أخرى، ينتهي به المطاف إلى أونتاريو، في معرض نقده لحجم الميزانية المحدودة (حسب تقييمه)، التي تقدمها الحكومة الفدرالية للمقاطعة.
لكن تحول العنصر الأخير إلى أداة ضغط (تبني المثلية كعقيدة قهرية في المدارس الحكومية)، حمل بعض الأُسر للتفكير بالخروج، ولكن ومع مراجعة البدائل، وبالذات في العودة إلى الشرق، يتبين أن خيارات الحصول على موطن استقرار للإقامة وفرص عمل، ضعيفة جداً، ويكفي هنا واقع المهاجرين العرب، حتى ممن حصل على الجنسية التركية، بعد التطورات السياسية الكبيرة وبروز ظاهرة العنصرية.
وهو ما يضع المجتمع العربي، والذي نعتقد أن الإيمان بالأسرة فيه والاستقرار الاجتماعي، لا يخص المسلمين من العرب فقط، بل هو يجمعهم مع إخوانهم من المسيحيين، ومن طوائف دينية عديدة في الشرق، لكن للغةِ هنا جامع خاص، وثقافة تأهيل وابداع وممانعة قيمية.
فلفت نظري الصديق الجديد، د. موسى أبو دقة وهو أستاذ جامعي قادم من غزة، سيرته التخصصية في المراتب والمهام الاكاديمية الأدبية مميزة، وحين يأتي أي قادم جديد إلى كندا، فهو يحتاج إلى بضعة أشهر وربما عامين، للبدء في الوصول إلى أرض انطلاق لتخصصه، بعد أن يؤمّن مصدر الدخل.
الذي وخلافاً لما يظنه الكثير من خارج كندا، هو صعب للغاية، ليس على المهن الثقافية فقط، بل على المهن التخصصية العلمية، كالطب والهندسة، والتي يحتشد حملتها العرب، بين وظائف (مقهى تيم هورتنز) وبين سائقي اوبر، فكيف بقامة أدبية فكرية، تخصصها نادر الطلب في الحياة الكندية الوظيفية.
ولكنه في ذات الوقت تخصص مهم بل ضروري، حين يتحول إلى عنصر دفع وإعادة حضور للسان العربي، وثقافته ببعدها الإسلامي والإنساني، والذي تحتاجه أجيالنا العربية بشدة، رغم وجود دور التأهيل الشرعي المبسط، في المدارس الإسلامية وفي مدارس نهاية الأسبوع التطوعية.
إلا أن المشكلة في فقدان مكون اللغة العربية، كوعاء ثقافة وعلوم ومفاهيم، وليس كآلة نطق فرعية ثانوية أمام الإنجليزية، والانجليزية مهمة جداً للاندماج وللمواطنة الكندية، لكن ضمور العربية الضخم، يُعزّز حالة الاغتراب عن القيم في الأسرة العربية في كندا.
أكبرتُ في د. موسى هذه الانطلاقة في تأسيس منصة الملتقى الثقافي العربي الكندي، وضمه لنخبة متعددة الميول والطبائع، وتفعيل هذه المنصة، وتنظيم حوارات نوعية، وورش تفاعلية بسبب همته وعزيمته، وخاصة حين نعرف حجم الظروف والاختلافات التي يعيشها المجتمع العربي الثقافي، وتعدد الأولويات كل وتياره أو منهجه الشخصي، ومصابرة ابي أنس القادم من فلسطين، في سبيل عبور الانطلاقة الثقافية الجديدة.
وللحديث بقية