هالي فاكس.. تجربة مختلفة لمسلمي كندا
مهنا الحبيل
طاف بي الشيخ في جولة في مرافق المركز الإسلامي، وعند أول دخولي للصالة الرياضية والمسرح، لفت نظري أن المتواجدين فيها من غير المسلمين، وخلال الحديث ونحن نتنقل في أروقة المركز، أشار لي أنه بدأ استراتيجية انفتاح على المجتمع التعددي في هالي فاكس، وأن الصالة الرياضية باتت مفتوحة لمجاوري المسجد، وللمجتمعات المحلية من مواطني كندا، من السيخ الهنود ومن المسيحيين ومن بقية المجتمعات الشريكة، مع الالتزام بالآداب الأخلاقية والاحتشام العام، لمرافق مؤسسة دينية.
أخذني هذا المشهد الى حديث ضمير قديم منذ أن استقريت في كندا 2017، أفصحتُ عنه للشيخ حين ابصرتُ بادرة جسور جميلة، فاستطرد ابو محمد مؤيداً على شواهد هذا الرأي، فحدثني عن اللقاء الرمضاني الذي ينظمه المركز على مستوى عالٍ ويحضره مسؤولي حكومات مقاطعة نوفا سكوشا، والشخصيات البارزة في مجتمع هالي فاكس، وذكر لي موقفاً مؤثراً واجهه على هامش هذا اللقاء، وهو حديث زوجة رئيس جامعة سانت ماري في هالي فاكس، التي أبلغت الشيخ بأنها ستغيب ذالك العام عن هالي فاكس، وأنها متأثرة لافتقادها اللقاء الرمضاني السنوي، ودمعت عيناها وهي تقول له أنها كانت تنتظر اللقاء من العام الى العام.
تدفق مشاعر المجتمع الكندي الآخر، وتجاوبه، حين تصل له رسائل التقدير والمودة، وابداء التعاون في كل قيم تُصلح المجتمع، وتخفف من غلواء التوحش المادي، والتي تمثل الروح الإسلامية أحد أهم مصادرها في عالم اليوم، هو منهج مهم لتكريس مفهوم المواطنة والاندماج في المشترك النافع، وخاصة رباط المسلمين في حماية قيم الأسرة، الذي رصدتُ بنفسي أثره على الأسرة المسيحية البيضاء وغيرهم في الشمال الأمريكي عموماً، وقلت له أن الإدراك الذي شعرتُ به بعد استقراري في اونتاريو، أن هناك مساحات فراغ كبيرة، لم نملأها في علاقتنا مع الآخر الكندي.
وخاصة أن الصورة المشوهة عن الإسلام التي تنشرها جهات متطرفة مغرضة، تجد أدّلة في سلوك بعض المسلمين مع الأسف الشديد، وأننا نعاني من تناقض صورة المسلم في المهجر من بعض الرؤى، التي تتعامل مع التواجد في المهجر ككيان منفصل مصمت، يسعى لتحقيق هدفه الذاتي في الجنسية، أو فُرص العمل فقط، ويَعتبر المجتمع الآخر، مجتمعاً عدواً بالأصل، وأنا هنا اتحدث عن الرأي العام، والمسؤولين اللذين لديهم مساحة إنسانية واضحة، وجهل واسع في معرفة الإسلام وثوابت الشريعة، وليس ايدلوجية الغرب الفوقية.
فهناك حاجة مشددة اليوم، في الفصل بين التباين الفكري والقيم المؤسِسة للحياة، في معادلتين تُطرح بين البشرية، المعادلة الرأسمالية والحداثة المتوحشة، ومعها انحيازات دينية ويمينية متطرفة ضد المسلمين، وبين رسالة الرحمة والوصل والإحسان التي ندبنا لها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وواجبنا نحو الأفراد وكل مجتمع يسأل أين الطريق؟
لقد أثبتت تجربة الشيخ ورفاقه، أن كل جهد يمتد الى الطرف الآخر المنصف في كندا، لا يجد قبولاً فقط، بل يُلاقي ترحيباً وتعاوناً واسعاً، وخاصةً بعد أن أنقذ الشيخ مشروع المركز الإسلامي في هالي فاكس، الذي واجه صراعاً شرساً مؤسفاً بين بعض شركاء اداراته السابقة، فأعيدُ تأسيس المركز بمفاهيم تساهم في تجسيد رسالة الإسلام في المهجر الجديد.
لقد انفتح هذا الداعية الرشيد على بعض المؤسسات الدينية من أهل الكتاب، وتعاون في المشترك، وقدم دورات يشرح فيها قصة الإسلام، ووحدة النبوات في معناها الأصلي لا المحرّف، واكتسب ثقة كبيرة، في عمله المساهم في تعزيز التعايش الذي يرضاه الله لخلقه، أياً كانت هذه الأمم، وهو ما يفتح الأبواب لنا في المهجر الكندي مواطنين ومقيمين، من صناعة جسور تفاهم تواجه أي قوانين تطرف ضد المسلمين، أو تقلل من تأثير منابر التحريض ضدهم.
ولقد واجه الشيخ عقبات كثيرة وتحديات، فالأمر ليس عبوراً سهلاً، ولكن في نهاية المسار وجد حصيلة طيبة، ففتح مرافق المركز لصناديق الاقتراع لدورات الانتخابات، ولمواقع التطعيم في كوفيد وغيرها، واستثمر العائد لصالح وقفيات المؤسسة الإسلامية، وأشعر الدولة والمجتمع الآخر بأن أبواب المؤسسات الإسلامية مفتوحة لهم، وحقق حضوراً مختلفا للعمل الإسلامي في نوفا سكوشا، قد يكون تكرر في مواقع أخرى، لكني وجدتُ في رحلة هالي فاكس تماسكاً مميزاً ومبدعاً.
ولا يزال هناك حديثٌ متبقي وخاصة سؤال الناس القلق ماذا عن أطفال المسلمين، وقضية المثلية وغيرها، قد أعود لها، بعون الله، لكنني أريدُ التأكيد على أهمية العبور للقضايا المشتركة والمفاهيم المتحدة للمسلمين، وأن نتغلب على الانقسامات الحزبية أو المذهبية، ولا يعني ذالك أن يتخلى كل فريقٍ عن معتقده، ولكن أن نصنع معاً التجديد الفارق في الفهم وفي المشاريع، التي تحقق نقلة نوعية ووقاية استراتيجية لشراكة المسلمين في وطنهم الجديد.
السياحة والنظافة والحضارة مهنا الحبيل بدت لي أزمير محطة مهمة لبدأ الرحلة التركية البرية، كان…
السياحة الفكرية في تركيا مهنا الحبيل تأخرت رحلتي السياحية بين المدن التركية عشرة أعوام، حيث…
الأخلاق والعقوبة بين برنارد ماندفيل والفاروق عمر مهنا الحبيل يستشكل البعض في توسيع رؤية المقاصد…
سؤال الدولة الإسلامي والاستئناف الفكري مهنا الحبيل وقفنا في إعادة تحرير النموذج الماليزي على سؤال…
أبو بكر الصديق في عالمنا اليوم مهنا الحبيل إن العودة للحياة الإسلامية الأولى، وخاصة الصدر…
المرجع الأخلاقي للعالم الجديد مهنا الحبيل إن المقياس الذي يعكس بدقة، حقيقة الكوارث التي يعيشها…