Categories: مقالات

هل فشلت الفكرة الديمقراطية؟

هل فشلت الفكرة الديمقراطية؟

مهنا الحبيل

8/5/2022

ليس مأزق اليوم في واقع التبني (للنظام) الديمقراطي، في مآل دول عالم الجنوب في آسيا وأمريكا اللاتينية وفي أفريقيا، وفي الوطن العربي وغيره من مناطق العالم فقط، ولكنه أيضاً يمتد إلى الغرب حيث منشأ الفكرة الديمقراطية، حين نناقشها في إطارٍ سياسي محدد خلصت إليه التجربة الديمقراطية، وكانت أبرز وسائط الدولة المدنية الحديثة، فاليوم يصعد اليمين الفرنسي أمام إحباط شديد في الرأي العام الشعبي، الذي وجد نفسه أمام إعادة سيناريو ماكرون، المشمول بالغضب الشعبي وبإخفاقاته، التي سحقت حركة السترات الصفراء، ولكن لم توجد بديلاً إصلاحياً يُهدّئ قلق الفرنسيين. 

  في الحالة الأمريكية فإن ما اعتُبر صحوة دستورية، منعت استمرار الظاهرة الترمبية عادت للتضاؤل، أمام عودة خطاب ترمب وشعبيته، وقس على ذلك اليمين المتطرف في عدة دول غربية، لكن هنا يبرز سؤالٌ اعتراضي مهم، إنها الديمقراطية هكذا تنتج وهو ما يجب أن يُقبل أياً كانت النتائج. 

  دعونا في البدء ننظم موقع العربة والحصان في تقييم السؤال، هل الهدف من الفكرة الديمقراطية، هو ميدان يصعد فيه التصويت لصالح منبر خطابي، أو فكرة شعبوية أو ردة فعل عاطفي، أو حتى خطاب جدل عقلاني في التنظير، فهنا الديمقراطية تفتح أبوابها لمن يأخذ أصواتاً في سقف مطلق، لا يحده شيء، ثم يتولى الحكم عبر قوائم التصويت، التي قد يتشكل فيها الرأي من خلال السوشل ميديا، أو من خلال موقف انفعالي قبل الوصول إلى الصندوق. 

  هنا نحن نستدعي خاصة في النموذج الأمريكي والغربي، وحتى في الهند ودول المعسكر الاشتراكي وروسيا، ومهرجانات الوطن العربي التي تتحجج بالصندوق الديمقراطي، أن التأثير على أصوات الناخبين، يقوم على المال الدعائي أو على التهديد المباشر. 

 الفارق هنا بين دول القمع وبين دول الحريات السياسية، هو أن هناك قانون ملزم لأجهزة القضاء وللقوة الأمنية، لحماية الرأي وموقف الناخب، هذا بالعموم، وإن بقيت مساحات اختراق، وبالمقابل نجد أن الكوميديا السوداء للمستبدين في الوطن العربي، تحولت إلى فلكلور دموي عنيف صاخب باسم الديمقراطية. 

  لكن هذا الجانب الإيجابي لحماية حق التعبير، مرتبط بالعقد الاجتماعي الدستوري، وقوته في التشريع والتنفيذ، فهل العقد الاجتماعي الدستوري هو من أصّل الفكرة الديمقراطية، أو أنهُ أحد جوانبها التي ورثت من عهود قديمة، ووصلت عبرها الدساتير الأخيرة، إلى منظومات التوافق الاجتماعي الشامل لكل أفراد المجتمع وشرائح الشعب، بهدف أن تُحكم عبر العدالة السياسية. 

  هذه العبارة الأخيرة هي العربة وأما الحصان فهو المهمة التي تقود لهذا الهدف، وهو كهدف مركزي يشمل العدالة في توزيع الثروة والمساواة، هذه المساواة تخضع في الأصل كما يُفترض، لميزان القيم الذي يخدم المركز الأخلاقي في المجتمع، ويُحيي ضمير الفرد، ويُقيّد ما يؤثر على مصالح الجماعة، وهي قضية تداخلت بصورة كبيرة في كتاب روسو في عقده الاجتماعي، وبالذات في مبررات تثبيت هذه المبادئ. 

  فهل هذه العربة التي تُحقق التوازن الاقتصادي، وحق التعبير السياسي، وحفظ حقوق الشخص، يلزم منها أن تفتح حرية التعبير لمهاجمة قيم المجتمع أو مصالحه الجمعية، أو إنتماء الفرد، في إنتماء الفرد هناك نصوص قانونية في الديمقراطية الحديثة، تضبطها نصاً مع صراعات كبيرة لم توقف زحف اليمين العنصري، ولا كفاح (الملونين) بحسب المصطلح الذي أورثنا إياه، في جدليات الدولة المدنية الحديثة، اما في المرجعية الأخلاقية للشعوب فلا يوجد إلا ما تحدده (قيم) الحداثة المستمرة السيولة. 

  وعليه فالهدف في الأصل نظام سياسي يضمن حرية الفرد، تحت منهج قيمي وأخلاقي، ومرجعية تشريعية، تتحقق بها الشراكة الشعبية التي تُعبّر عن ضمير الجماعة ومصالحها، وليس السباق بحشد التصويت، ما يجري اليوم هو تدخل معاكس، سواء في موقف الدول الغربية من دول الأطراف، وقمع مشاريع الكفاح للتحرر الوطني، والوصول إلى نظام عدالة اجتماعية، أو تسخير التحجيم او التهميش في داخل الدولة الغربية الديمقراطية، ضد القوة التصويتية التي تمثل خطراً على عجلتها الرأسمالية المتوحشة. 

  هنا نلحظ بأن هذه المركزية الغربية للديمقراطية الحديثة، باتت سوراً دكتاتورياً ضد مصالح الفرد إذا كان خارج شركتها الرأسمالية، رغم أن دورات الديمقراطية تتكرر، حيث يستَنسخ المستبد الروسي أو الهندي أو العربي أو الأفريقي وغيرهم، فكرة الصندوق والتصويت، فأضحت الشعوب ضحية في حقوقها وقيمها، بين نُسخ الديمقراطية، في ذات الوقت بات المستبد الشمولي المطلق، يُعزّز قمعه على شعبه، بحجة فوضى الديمقراطية، هذه مقدمة فلسفية أساسية للتفكير في مآلات التجربة لإصلاحها، وليس لإسقاط محاسنها. 

mohana63

Recent Posts

عقل الجزائر..مالك بن نبي

عقل الجزائر.. مالك بن نبي مهنا الحبيل خاض مالك بن نبي معارك كبرى، اشتبك فيها…

4 أيام ago

المؤتمر العالمي الكوني2050م

استأنفت أوروبا الأخيرة حياتها السياسية بعد هيمنة الحداثة، وكل الأحزاب ذات الصفة الاشتراكية العامة باتت…

4 أيام ago

التاريخ الروماني العشائري

التاريخ الروماني العشائري مهنا الحبيل أن هذا الشعب (روما) العظيم (مع كثير) من سوء استعمال…

أسبوعين ago

مزرعة الحيوان..البحث عن الكون الآخر

مزرعة الحيوان.. البحث عن الكون الآخر مهنا الحبيل حاول (إريك آرثر بلير) جورج أوريل عبر…

3 أسابيع ago

سؤال الهجرة المعاكسة بعد الانقلاب اليميني

سؤال الهجرة المعاكسة بعد الانقلاب اليميني مهنا الحبيل تثبت التوجهات القانونية والسياسية الأخيرة في أوروبا،…

3 أسابيع ago

مع الهمجية ضد التمدن

مع الهمجية ضد التمدن مهنا الحبيل يراوح روسو نظرته النقدية الصارمة للتمدن مقابل التبسط، والفلاحة…

3 أسابيع ago