Categories: مقالات

هل كسبت تركيا معركتها في الحرب؟

هل كسبت تركيا معركتها في الحرب؟

مهنا الحبيل

5/4/2022

سواءً أُنجز الاتفاق النهائي بين موسكو وكيّيف أو لم يُستكمل وبني عليه لاحقاً، فإن المرحلة التي حققها الوسيط التركي كانت نجاحاً كبيراً للسياسة التركية الخارجية ودبلوماسيتها التي ارتبطت بالرئيس التركي، وقبل أن نستعرض الحالة في نقاط محددة، نُشير إلى مسألتين مهمتين في سياسات أنقرة الأخيرة، الأولى هي حجم البرغماتية المندفعة بلا حدود في طبيعتها السياسية، وأن المعادلة الحاكمة في عقل أنقرة تجمع بين مصالح تركيا القومية ومصالح العهد السياسي الحالي، الذي لم يعد مرتبطاً بحزب العدالة فقط ولكن بخطة الرئيس الشخصية.

أما الثاني فهو مبادرة الرئاسة بالخروج من حملات التأثير العاطفي الصاخب وبعض القرارات التي اتضح لأنقرة (حسب تقييمها) أنها كانت خاطئة، وما سببته من إشكالات في واقعها السياسي الإقليمي والدولي، وتدشين خطوط اتصالات في اتجاه معاكس، وقع هذا مع الروس والأمريكيين والإتحاد الأوربي والإسرائيليين والإيرانيين والسعوديين ومصر والإمارات وغيرهم، ولسنا هنا نقدم إشادة ولا تبكيت فليس المدار هو تقييم فكري، ولكنه فهم دقيق ووضع النقاط على الحروف، أمام صخب البربوغندا الساذج عن الخلافة الإسلامية العائدة في ذهن البعض.

ونُرتب هنا رسم خارطة التفوق التي تتقدم لها أنقرة لحصد نتائج جهدها الأخير، وكيف تسير في نجاح مركزي مهم، لو استُكمل لأصبحت تركيا في منتصف هذا العام في أفضل موقع دولي لها منذ سنوات، واستعادت الكثير من خسائرها، وسيبقى لتجديد الرئاسة والحزب التحدي الاقتصادي الحالي، الذي قد تخدمه قواعد اللعبة الأخيرة للرئيس التركي وعجز المعارضة التركية عن تقديم البديل.

1- عند أول الحملة الغربية على موسكو بادرت أنقرة بتلقيها بزخم إيجابي مع إدارة بايدن وأركان الإتحاد الأوربي، في ذات الوقت كانت أنقرة تُدرك تكلفة استفزاز الدب الروسي وكارثة، العثمانيين حين وُظفوا في الحرب العالمية الأولى، التي ذهب ضحيتها مئات الآلاف من المجندين الأتراك وبقية المسلمين، دون أي جدوى وكانت بما يشبه الإجماع مسمار النعش الأخير في جسد (الرجل المريض).

2- أدار الرئيس بذكاء كبير خطة الاحتواء المزدوج وفعّل دبلوماسيته وفريقه الخاص، والذي يُعتبر جاويش أوغلو أحد أبرز أركانه مع مهمته الوزارية، كان من الواضح أن موسكو لم تُبدي قلقاً من حصيلة العتاد العسكري الذي دعمت به أنقرة كييف، كشبكة مواقف تقدمها للغرب، وفي ذات الوقت الحفاظ على موقع توازن حيوي تتقدم به تركيا اليوم في شرق أوروبا، وتشعر الدول المسيحية ذاتها، بأن أنقرة مركز توازن عقلاني تحتاجه أمام التوحش الروسي، وأنها أكثر مصداقية من بعض وعود الغرب.

3- هذا البعد كان له تأسيس سابق في مواقف تركيا الإيجابية مع جورجيا وأوزبكستان ثم مع حسم حرب الاسترداد الأخيرة لمناطق أذربيجان من أرمينيا، ولم تتوارى أنقرة عن كيّيف بل ظلت متواصلة الجسور والتعاطف، وخطها الساخن قائم متفاعل مع موسكو أيضاً، ونلاحظ هنا أمرٌ مهم جداً في سبق الاختراقات.

4- لقد كان من أطول اللقاءات التي بذلتها شخصية دولية مع الرئيس الروسي، اجتماع رئيس الحكومة الصهيونية معه، والخروج منه باتفاق مبادئ مع تقريع ضمني للرئيس الأوكراني اليهودي فولوديمير زيلينسكي، كان تقدير تل أبيب الحفاظ على مصالحها مع الروس الشركاء الأقدمون للمشروع الصهيوني رغم ضجيج اليسار العربي، وفي ذات الوقت تأمين كييف ضمن دائرة الوكالة التي تتقدم بها إسرائيل كعقل توازن عالمي مزعوم للسلام.

5- ومع ذلك رَفضَ زيلينسكي الاتفاق وحمل على تل أبيب، ولكنه بالمقابل انفتح على أنقرة ومبادرة الرئيس اردوغان، القضية هنا ليست بطولات ولا تفرد تميّز، ولكنها فيما يظهر للمحلل السياسي لحظة التقاط ذكية من أنقرة في توقيت حرج للغاية، لكن ماذا عن الغرب؟

6- لم تبعث واشنطن ولا الإتحاد الأوربي أي رسالة سلبية للأتراك، فمرحلة الفراغ التي كانت الحرب مرشحة لدخولها، ولا يزال تهديدها قائما، تعني أن الغرب رغم كل ما بذله وتوظيف كامل القوة الرأسمالية بما فيها امبراطورية السوشل ميديا، والتضييق حتى على الحقوق الإنسانية للروس، قد يخسر المرحلة الأولى من الحرب، وفي ذات الوقت فإن مشروعه لحرب استنزاف مع موسكو، لن يربط بالضرورة بمواجهة عسكرية في أوكرانيا ومقاومة تصاعدية.

7- وبالمقابل فإن مأزق الروس أيضاَ من اجتياح كييف ظهر أنهُ سيكون مكلفاً وإن كان ممكناً، لكن أوكرانيا ليست خصماً شعبياً بريء مخذولٌ من الغرب والأمريكيين ذاتهم، كالشعب السوري الذي ذبح بمخالب الدب الأحمر، فهنا العنصرية الغربية تتاجر باسم الأشقر الاوكراني لحماية عرقها المتفوق.

8- فَفتح المجال أمام تركيا له مصلحة مهمة وحيوية للروس وللغرب، كما أن طبيعة السياسة التركية وسوقها الاقتصادي المشرّع الأبواب يحتاجه الروس بالضرورة، وخاصة بعد اتفاقهم في فتح المصالح المشتركة في أراضي الأقاليم المسلمة لروسيا، وجمهوريات آسيا الوسطى.

إذن نحن هنا نتحدث عن أرضية صلبة تساعد أنقرة على إنجاز الاتفاق، ووضعها في مركز بوصلة التقاطع التي يحتاجها الجميع، وعليه فإن الغرب اليوم مهتم بتركيا كجسر وحليف، رغم معرفة علاقاته الخاصة مع موسكو، بل إنه يرى الرئاسة التركية الحالية هي الأنسب لضبط توازنه الإقليمي المهدد في الشرق الأوسط وفي شرق أوروبا.

وهذا يعني أن تركيا في عالم التضخم الجديد والانهيارات العالمية، عَبَرت من مأزق الصراع مع الغرب ولذلك طلبت من جديد تفعيل الانضمام للاتحاد الأوربي، وقد يرفض لكن مجرد إشعار أوروبا بهذا الاستحقاق أمرٌ مهم لها، وفي ذات الوقت هي تخاطب الإنسان التركي المتضجر من العلاقة مع الشرق وتدفق المهاجرين، والذي يرى أن أوروبا أقرب لمزاجه ومصالحه منهم، وأن قوميته التركية المشتركة مع الإسلام يجب أن تحافظ على هذا التوازن، الذي لا يؤثر عليه صخب الصراع الصوتي مع الغرب.

mohana63

Recent Posts

العقل المعرفي..الفارق الفلسفي الإسلامي

العقل المعرفي.. الفارق الفلسفي الإسلامي مهنا الحبيل في رحلة الجدل الفلسفي المعاصر، تختط قواعد المقارنة…

4 أيام ago

أفق السلام الكردي_التركي

أفق السلام الكردي-التركي مهنا الحبيل أياً كانت القراءات المختلفة، لموقف دولة بهتشلي القائد القومي التركي…

4 أيام ago

فرض الديمقراطية الدموية

فرض الديمقراطية الدموية مهنا الحبيل يفكك روسو التحديات التي تواجهها السلطة الاشتراعية، وخاصة كونها القوة…

4 أيام ago

أصحاب الظرف الخاص في مجتمعاتنا العربية

أصحاب الظرف الخاص في مجتمعاتنا العربية مهنا الحبيل هل توقفت يوماً عند ذلك الطفل، الذي…

4 أيام ago

رسالة للزواج الجديد

رسالة للزواج الجديد مهنا الحبيل يبدو عنوان البرنامج الوقائي، لوازرة التنمية الاجتماعية في قطر، مهم…

4 أيام ago

الديمقراطية التي تحمي السيادة

الديمقراطية التي تحمي السيادة مهنا الحبيل يعرضُ روسو لطبائع الشعوب وما يُلائمهم من حكومات، كسلطة…

4 أيام ago