هل يعوّض تويتر النقص الثقافي؟
مهنا الحبيل 30/1/2021
إن المقصد هنا هو قراءتنا للعطاء الثقافي من خلال المساحة الغارقة بتويتر، وسؤال الرصيد الذاتي للمغرد والارتداد الفكري لصالح المجتمع، وحتى الكفاح الحقوقي والوطني، هو أيضاً يندرج تحت مظلة الفريضة الأخلاقية، كما بيّنا في مقال الأسبوع الماضي.
حين تكون قضاياه الوطنية متماسة نسبياً أو كلياً مع الميثاق الفكري للمجتمع القائم، وهو التوافق على حصيلة القيم الإيجابية من زاوية، ومن زاوية أخرى حركة الفكر في التاريخ، وأين تحوّلت إلى معالم نهضة وصناعة وحدة الإنسان، وتصحيح واقع وطنه في هذا العالم.
ولكنّ المحدّد هنا هو ميزان القياس النافع للفرد، أكان شاباً منطلقاً إلى عالم الثقافة والجدل فيها، أو كان شخصية نخبوية تسعى أن تكون في مقام التوجيه، أو هي في مقام التوجيه بالفعل لشبابها ومجتمعها، فهنا كيف يُقيّم الشاب موضع قدمه، وكيف يفرّق بين النزوة والرغبة المشروعة بمتابعة تويتر، واليوم لا يغرق في ذلك الشباب، بل الكهول والشيب أيضاً.
والإدمان (التوتري) هو بالفعل مرضٌ يكاد يوقع بنا، بغض النظر عن المادة المُتَابعة، أو المسار المستهلك لأعيننا وأسماعنا، ولذلك فالحاجة ضرورية لردع النفس عن الوصول إلى هذه الحالة المَرَضية، وكلنا في ذلك سواء، إلا من اتخذ من زمنه جُنّة يتوارى فيها عن الإعلام الجديد، ويراوح بين الرياضة والحديقة الفكرية والزمن الحر، دون إغراق في السوشل ميديا فقد نجاه الله من عواقب كثيرة.
غير أننا اليوم نحاور ذواتنا، في ظاهرة أخرى أكثر تفصيلاً في هذا الإدمان، وهي اندفاع النفس في تويتر للتغريد والرد والتعقيب، وما يَرِنُ على القلب من شعور المرجعية للناس في ذات المتابع، فيغلب عليه دافعٌ نفسي كأنهُ جوهر أعظم في هذا العالم، أو عامودَ مسرحه النقدي أو موجهه الأخلاقي، وبالتالي يُلازم الكتابة أو التعقيب، أو حتى الإعادة والتفضيل بناءً على ذلك، وهي غلبةُ نزوة لا ممارسة معرفة وشراكة ثقافة، حين تكون في هذا المستوى من الترصد والتعقب، أو من خلال حفرة الشعور بتضخم الذات.
وقد يتكاثر هذا النوع من المغردين، فيغلب على صورة المجتمع وحركة تفكيره، ثم ينتقل من الممارسة إلى المشاعر الشخصية، فتفسد العلاقات وتحتقن الأنفس وتتقاتل على حضور الذات، لا تحرير الرأي والفكرة، أو تحصيل المعلومة.
وهنا تكون الحالة أشبهُ بالمرض المُعَدي فيتحول إلى وباء، وينتقل الجيل الثقافي الجديد عبر هذه الروح، ويعتقد في ذاته مبكراً أنهُ أيضاً مرجعاً تحكيمياً مطلقاً، هنا تتحول النخب الفكرية إلى شركاء حلبة صراع، لا موجهين لحركة الفكر في المجتمع، ورغم الرصيد الذي يحصل من الشباب عبر المادة الرشيدة من تويتر وغيره، إلى أن أدب التلقي والتواضع في عرض الرأي، وأدبُ السؤال سيغيب عن الجيل الجديد أو يقل، فهنا تتضخم حالة الفراغ الثقافي مقابل الحضور النرجسي.
ولذلك فإن إبقاء المُغرّد أو المتابع، لمساحة القراءة والتوقف عند المسألة المُشكلة عليه، بالرجوع إلى المصادر، مساعدٌ مهم للشباب، والمغردين عموماً، ثم طرح السؤال المشكل في ذاته، دون موقف نفسي من المغرد الآخر، ووضعه بين ثلاث مسارات:
الأول أنه رأي مستحق النظر، ليس لدي جزم فيه، أو أن يكون له خلاف مع المغرد الآخر، أو حظٌ نفسي برز في تلك التغريدة، وهنا يجب عليه أن يتذكّر بأنه ليس في حلبة صراع شخصانية.
وحين يتوجه المغرد النابه إلى طريقة تعاطي مختلفة، فأهمها سؤاله الدائم لذاته، ما هي حصيلة معارفي اليوم وأين هي حقيبة الثقافة التي أحملها بالفعل، ليس من خلال ترديد مصطلحات، ولكن من خلال مفاهيم أدركتها، وعلوم عرفتها، فازددت بها وعياً، وهو السؤال الذي يدفعه لقياس أوقات البقاء بين تغريدات تويتر، وبين عالم القراءة.
إن ذلك كله لا يُقلّل من أشخاصٍ ذوي ابداع في سك أفكارهم، ولا في نقل مخزون قراءتهم، فهؤلاء مشاعل نور في تويتر، ومنهم من هو داعم للناس بمواد لطيفة وعبارات خفيفة، ولافتات بين معلومة أو مأدبة أخلاقية، المهم أن يَبقى جرس المنبه مُفعّل في ضمائرنا، وأن نعيش مع المفيد في تويتر وقد ملكنا زمننا، لا أن يحتلنا تويتر في اعمارنا.