يوم مسجد كيبيك الوطني..رسالتنا المختلفة

مهنا الحبيل

14/2/2021

أعلن رئيس الحكومة الكندية، جاستن ترودو، 29 يناير/ كانون الثاني يوماً وطنياً، للتضامن مع ضحايا مذبحة المركز الإسلامي في مدينة كيبيك، حيث أُزهقت الأرواح البريئة، خالد بلقاسمي وعز الدين سفيان وعبد الكريم حسن وأبو بكر ثابتي ومامادو تانو باري وإبراهيما باري، شهداء الهجوم الإرهابي الذي خلّف أيضا جريحا مقعدا هو أيمن دربلي، وهم ينتمون إلى المغرب وغينيا وتونس والجزائر. وقعت الجريمة قبل أكثر من ثلاث سنوات، إلا أن التفاعل العملي الذي يترتب عليه، مقاومة ثقافة كراهية المسلمين (الإسلاموفوبيا)، والاعتراف بها لم يتحقّق، إلا عبر بيان وزارة التراث الكندي الفيدرالية المصاحب لإعلان اليوم الوطني، والذي نصّ على خطر الإسلاموفوبيا، وهو اعتراف مهم، لكن هناك مسيرة صعبة لإيجاد تفاعل وطني اجتماعي في كندا، على مستوى المقاطعات والمدن، وعلى المستوى الفيدرالي. وموقف حكومة مقاطعة كيبيك ذاتها، وحزب التكتل الكيبيكي (الحاكم)، لا يزال بعيداً كل البعد عن مفاهيم الاعتدال الإنساني التي نصت عليها وثيقة الحريات والدستور الكندي، والتي غالباً يُذكّر بها ترودو، وبعض فعاليات حزبه والحزب الديمقراطي الجديد. ولكن هذه البلاغات الخطابية الجيدة لم تتحول إلى قوانين حماية، على الرغم من صعود الإسلاموفوبيا في كندا، وحادثتي القتل أخيرا، وخصوصا اغتيال أحد المتطوعين المسلمين في تنظيم مساجد تورونتو، وكان القاتل أحد العنصريين الكنديين من الأصول الغربية.
واضحٌ أن أجواء تجريم واشنطن اليمين العنصري، بعد عهدة ترامب السيئة، واقتحام الكونغرس، ساهم، بصورة كبيرة، في تشجيع القرار الكندي، حتى لو كان مطروحاً قبل زمن، فرياح المعارضة اليمينية المتطرّفة في كيبيك وغيرها لم تكن لتقبل بمثل هذا القرار. ولذلك، الإشادة به موقف مستحق، وخصوصا لمن يرصد هذا الصراع الثقافي الخطير والمؤسف، بين الكنديين المهاجرين، والكنديين من أصل غربي، من جماعات الهجرات القديمة إلى أميركا الشمالية، لطوائف أوروبا المسيحية المضطهدة.

وسريان قانون 21 الذي فرضته حكومة كيبيك، صدر بعد المجزرة، ولا يزال قائماً. وعلى الرغم من أن بعضهم يراه شاملاً كل الحالات الدينية، إلا أنهُ موجّه تنفيذياً ضد مسلمي كندا، وبالذات ضد حقوق المرأة المحجبة. وإعلان اليوم الوطني، على الرغم من أنهُ لا يترتب عليه، بالضرورة، دعم المدافعة القانونية الفيدرالية ضد القانون المتحيّز، إلا أنهُ يخلق أجواء جيدة للرفض الثقافي والحقوقي الإنساني.
والحقيقة أن تثبيت نُصب الضحايا في كيبيك أخيرا يعتبر بادرة جيدة، غير أن قراءة النص المثبت والبيان المتعلق به لا يُشيران إلى إدانة ملزمة لثقافة كراهية المسلمين التي بموجبها أقدم إرهابي كيبيك على المجزرة. وحتى المنظمات التي أعلنت أوتوا عن حظرها، فهي لا تشمل مجموعات خطيرة في كيبيك وغيرها، لديها سلاح مرخّص، وتعبّر عن كراهيتها المسلمين خصوصاً، والمهاجرين عموماً. هذه الاعتبارات المهمة في فهم الخطاب الرسمي والتوجهات النافذة تُعيد بنا الفكرة إلى المعقل الأول الذي يحتاجه مسلمو كندا، وخصوصا العرب، ضمن الأسرة الكندية المسلمة، وهي التفاعل الإيجابي مع هذا القرار، لتدشين خطاب وفعاليات، بل ومنظمات مجتمع مدني، ليس للمطالبة الحقوقية فقط، وإنما لملء الفراغ الضخم في الحراك المدني الكندي العام، عبر تدشين توعية ثقافية مميزة عن الإسلام وقيم المشاركة والتسامح، والقيم الإسلامية المتميزة في التضامن الاجتماعي الأسري، والتكافل الاقتصادي، المتفق مع القيم الإنسانية، بل والمتميز عليها أحياناً، فنشر هذه المعرفة، وإيجاد مشاريع تنفيذية للتطوع والإبداع، في نقل الفكرة الثقافية إلى فعالية ميدانية، يستشعرها الموزاييك الكندي، هو تحدّي اليوم.
وبين اتجاهين خاطئين يجب العبور اليوم، الأول عدم المبالاة بالتطور الثقافي السلبي، وتأييد الحزب المختار، بناءً على مصالح مادية للفرد والأسرة، من دون تعمّق في مستقبل الحياة الاقتصادية وآثار الرأسمالية على حياة كل الكنديين، وبين موقف المطالبة والتذمر الحقوقي، من دون أي شراكة أو مساهمة، وهو ما سيُفقد المسلمين الكنديين أهمية هذا اليوم.

ونحن نستذكر هنا جهوداً مميزة في الملف، خصوصا ما تبناه خطيب جمعة التأبين الرسمية الشيخ حسن غِيّة، حيث استمر الشيخ غِيّة في بذل جهود موفقة ومقدّرة، مع مجلس الديانات الروحية في كيبيك، ومع المسؤولين الفيدراليين والمحليين، لإقامة جسور نوعية تخلق شراكة، وتساعد في حصار الإسلاموفوبيا. وأشير هنا أيضا إلى الإمام الشاب في مركز الروضة في مونتريال، الشيخ مهدي تركاوي، المتمكن من اللغة والثقافة الفرنسيتين، ودوره التوعوي بين الشباب. ولكن الفراغ ضخم، ونحن العرب المسلمين يجب أن نُفعّل العلاقة أيضاً مع العرب المسيحيين، ونعالج أي ثقافة توتر وصلت من الشرق، فضلاً عن السمو على الأفكار الطائفية والصراعات العرقية. ونستحضر هنا معنى إدراك معالم الفكر الإسلامي وقيمه، عبر اللغة العربية بوصفها وعاءً فكريا وفلسفيا أخلاقيا، لا يمكن أن يُدرك كما هو في وعائها الأصلي، ليحسن ترجمتها ومشاركتها مع بقية مسلمي كندا، ومع كل أسرة كندا الوطنية.
التحدّي الكبير هو ألّا يأتي يوم 29 يناير/ كانون الثاني 2022 إلا وقد تحققت بالفعل أرضية جيدة من الأنشطة والفعاليات، فيكون هذا اليوم متوجا بعهد ثقافي جديد لمفهوم الشركة، يقاس عليه النجاح في تخفيض مشاعر الإسلاموفوبيا في الشارع الكندي. وهي جهودٌ تحتاج مشاركات واسعة، لا ينبغي أن تكون هناك غيرة أو تحاسد بين الكنديين المسلمين فيها، فكل جهدٍ سيصبّ في هذا المضمار المهم للوعي الجديد الذي يجب أن نحرص على أن يكون يوماً مميزاً لاكتشاف الإسلام في كندا.
الإسلام الذي يحشد مصالح كل الأسرة الإنسانية، ويعزّز مفاهيم القيم الكندية، وينشئ قيماً نبيلة تحتاجها الطبقات المحرومة والإطارات الاجتماعية التي تعاني من توحش مادية العالم الحديث، هنا فقط يكون يوم كندا عيداً اجتماعياً، نصلّي فيه لضحايا الإسلاموفوبيا، ويصلي معنا كل مؤمن بالكرامة الإنسانية.