مهنا الحبيل
تنتشر اليوم بصورة غير مسبوقة ثقافة ومشاريع تكوين الفرق الرياضية النسائية، وفي البدأ نؤكد أحقية المرأة المطلقة لممارسة الرياضة وحتى المسابقات التشجيعية، وبالذات فعاليات المدارس التي تعتمد على تنشيط الجسم ودور السلوك والأجواء الرياضية، لصالح الشباب من الجنسين ولا يوجد تفرقة في ذلك، لكننا هنا نتساءل هل هذا يعني تطبيق شريعة المناسخة الدولية في الرياضة، فما هي هذه الشريعة؟
سنلاحظ هنا أولاً مسالة في غاية الأهمية، في المشروع الدولي الجديد لتسويق الرياضة النسائية، فتشكيل فرق ودوريات عالمية ومحلية تقتصر على المرأة، فيه اعتراف ضمني قوي بسقوط عقيدة المثلية الجندرية، المحاربة للأسرة الفطرية، والتي تقوم عليها وتعمل على نشرها المنظمات الدولية، لماذا؟
لأن متابعة الرياضة الجسدية على واقع الحياة اليومية، يؤكد للإنسان اختلاف التخلق الفطري بين الذكر والأنثى، وبين المرأة والرجل، فهو يواجه ذاته وتكوينه البيولوجي الطبيعي، وبالتالي لا يمكن هنا أن تُحمّل المرأة مجهود الرجل، حتى لو تجاوز الأمر بعض الحالات في الرياضة، وليس هذا بمقام تفضيل للرجل ولا مقام تنقيص للنساء، إنه من شروط تكامل الخلق وكونية الفطرة، وهناك الكثير من الديانات والوجوديين يختلف معنا في مصطلح الفطرة، ولكنه يتفق في مدلولات الطبيعة حسب ما يسميها.
وسواء كانت محاولات الدمج كما هو في التحكيم في كرة القدم، عبر الفيفا أو الرياضات المتعددة، عبر اللجنة الأولمبية الدولية، والتي يمثل تشكلها ومرجعيتها جزءً من أدوات القوة الغربية المهيمنة على العالم، منذ تاريخ إنشاء الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، فإن هذه المحاولات لم تستطع تعميم المناسخة، رغم الحالة الهستيرية لتيارات المثلية القهرية الدولية، التي عادت لاستئناف مشروعها بعد كاس العالم في قطر، وما تعرضت له من فشل في تسويق فكرتها فيه.
وهنا نحن نواجه سياقاً سياسياً وثقافياً ورياضياً واحداً، ولا نقصد من ذلك أن نرفض المشترك الرياضي ولا تنظيم المسابقات، غير أن إقحام ايدلوجية المثلية القهرية وتسريبها عبر الرياضة، هو عنصر إضافي لثقافة الفوضى اللا أخلاقية، تساهم في اضطراب الانسجام الإنساني بين المجتمع، ولا علاقة لذلك في تثبيت شرعية الرياضة للمرأة، فإن مسابقة النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة، عند أول زواجه ثم قبل ختام حياته، تؤكد هذه الروح الرياضية المنفتحة المشتركة بين المرأة والرجل.
لكن هناك مسابقات تَحتقن فيها العواطف، وتصطدم الأجساد، والمبالغة فيها في الأصل منافية للسلام النفسي، والتقوية الجسدية، حتى للرجال، فضلاً عن هذه السوق الرأسمالية المبذرة الضخمة التي تتسابق فيها دول الخليج العربي، ويرتوي منها السوق الغربي، ولو خصصت ميزانياتها، لمهرجانات شبابية ورياضة مشتركة، ورعاية لبطولات بين القارات الجنوبية، ترتد على مصالح الناس والشعوب، لفتحت هذه الثروات الضخمة، التي تصب على لاعب أجنبي أو رعاية نادي غربي، مسارات مهمة لحياة الأوطان ودعم القيم عبر الرياضة.
وهنا نجد أن دفع المرأة والشابة المطلق، للدخول في أيدلوجية المناسخة الدولية، لدمج المرأة في كل رياضة تصلح أو لا تصلح، خطورته ترتد على قيم المجتمع، وهو لا يعتمد مع الأسف الشديد على مراجعة تقييم رشيدة، وتفكير ذكي لا يقلد الغرب في متطلباته، ولكن يصنع مسار انفتاحه حتى في مسابقات رياضاته، من خلال فهم ما هو في صالح الإنسان والمجتمع، وليس ما هو معتمد لدى الغرب واستشراف رضاه وشهاداته.
فالحضارات لا تبنى بالتناسخ وان استفادت من بعضها البعض، لكن افتراقها الإيجابي، يقوم على وعي الأفكار والمشاريع في كل دورة زمنية لتاريخ الأمم، ثم الاستقلال بمنهج خاص، يكون في صالح الإنسانية، ويقوم على مركز أخلاقي، لا ضجيج دعائي يستثمر في جسد المرأة ويسوقه لصالح رأسماليته، واليوم تعاني المجتمعات المسلمة، من أثر تغلغل تأثير الأفكار الغربية، حتى في مجتمعاتها المحافظة، من خلال الزهد او التزهيد في الزواج.
وارتفاع حصيلة الطلاق والانفصال، وبناء عقيدة تنتشر بين الجنسين، بأن الزواج إن كان شرٌ لا بد منه فإن الأصل فشله، وأن العلاقة مع الرجل صراعية لا تكاملية وتكافؤية مع الزوج، وهي واحدة من أزمات مجتمعاتنا التي تتضخم، وثقافة سادت وانتشرت عبر عقود.
لكنها توسعت من خلال رسائل الميديا والسوشل ميديا، التي تعتمد في مرجعياتها ثقافة التيه الغربي، والصراع الجنساني في تصوراتها عن الحياة والمتعة، ولن تنقذ الأسرة والمجتمع إلا من خلال بناء قيمي اصيل، وتأسيس ثقافة وعي جديد تعتمد خطاباً وأدوات فاعلة، تصل للشباب لتقنع عقولهم وتطمئن صدورهم، لفطرة الله وقصة إنسانيتهم.