مهنا الحبيل

6/8/2023

إن قضايا التخلف والاستبداد والجوع والجهل في أفريقيا، لم تكن دينية ولكنها سياسية قد يستخدم الدين لخدمة المستبد الخارجي أو الداخلي فيها، ومذابح الصومال التي تنفذها حركة الشباب الإرهابية، تضرب في ذلك الجسد المسلم المعذب من أبناء شعبهم، والذي يخدم الإرهاب فيه الجهل بالدين، وتستثمره شبكات المخابرات المتعددة، التي فتحت مقديشوا مسرحاً لملعبها، على حساب دماء الصوماليين.

       ولذلك حين رأيتُ لدى عبد العزيز الشاب المهاجر الى كندا، واقرانه من الشباب في تشاد، ذلك التعلق بفكر النهضة، وتلك اللغة العربية الجميلة المبدعة في التعبير، من الشباب والشابات، (اللغة العربية لغة رسمية في تشاد ولغة تداول رئيسية) أدركتُ أنهم جيلٌ مؤهلٌ للتقدم لحلم النهضة الوطنية الشاملة، لشعبهم ولقافلة افريقيا العائدة، التي تبحث عن الاستقلال والتقدم معاً، تقدم لا يخضع لمعايير الغرب، ولكن لمصلحة الإنسان الأخلاقية، التي هي أحد أهم أهداف الرؤية الكونية، للفلسفة الأخلاقية الإسلامية، لكل سكان هذه الأرض، بكل اديانهم وانتماءاتهم.

       ولفت نظري أن شباب النهضة يمثلون تياراً ثالثاً، بين الانتماء لمسارين للحالة الدينية في تشاد، الصوفية التيجانية وانصار السنة السلفية، يبنون على المشترك ويتجنبون المنزلق، وفي ذات الوقت يخلقون أرضية وطنية جامعة مظلتها كل أبناء وبنات تشاد، تنظر في الأفق البعيد لحلم النهضة الرشيد.

       وكان شباب النهضة التشادي، قد بعثوا لي مدونة جمعت بعض كتباتهم ونبراس أساتذتهم، تُعبّر عن مكانة النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب مسلمي افريقيا، وهي تتضمن نصوصاً أدبية جميلة، وحين راجعتُ صفحات الشباب، لاحظتُ ذلك الأفق المميز، رغم أعمارهم الصغيرة في نحت المعنى والمبنى، وتعلقهم الشديد بالبلاغة العربية، في ظل التوله الشديد بالفرنكوفونية لا لغةً فقط، بل مفاهيم وفلسفة، وهذا الجدل الفلسفي ألحظُه في الحضور المتصاعد في حوارات الشباب في افريقيا، عرباً وأفارقة.

       فهناك مشروعٌ قويٌ بسبب حال عالم الجنوب ومآسيه، يلقي بأثره على خلفية الشباب، في استدعاء المنهج التقليدي، لإنسان عالم الجنوب، دون فرز فلسفي أخلاقي، نحو جذبه الى حاضرة الغرب، وتقديس كل انتاج العقل الغربي بحكم أنه يمثل ترياق الإنقاذ العالمي، وخاصة في التأسيس الفلسفي، وبالمقابل يصعد جدلٌ تراثي ديني صاخب تعجب من أنهُ لا يزال يَستدعي صراع الجماعات المذهبية القديمة، السلفية الحنبلية والأشعرية المتكلمة، ويتقاذفون التضليل والتكفير، هذا الجدل الصاخب يعبر بعيداً عنه أو بمحاذاته، تيار فكري جديد أراه يصعد بين شباب تشاد وإن وُجدَ في غيرهم.

       ربما لفت نظري ايضاً، أن هناك آراء متشددة تجاه المرأة بل ضد شابات الوعي الإسلامي من بعض الشباب، وقد ساءني مرة حديث قاسٍ واتهامات شنيعة وُجهت لفتيات وشابات يعتمرن الحجاب، ولكن ذلك الزي المحتشم الساتر لم يرق لذلك الشاب، فهوى عليهن بعبارات عنيفة في مخالفة صريحة لحقوق المسلم والمسلمة، بل تحت نشره صورة لهن، فاستغربت من وجود هذه المفاهيم الخطرة، التي تنتهك محرمات قطعية، بحجة خلافات تقديرية.

       ولعل هذا النموذج يشير الى حاجة شباب النهضة في تشاد، إلى تفعيل المركز الأخلاقي بين أقرانهم، ومراقبة الضمير وأن الزهو والبطولة الوهمية في مهاجمة الآخرين، لا تُمثّل قيمة إسلامية وأن التعبير الأخلاقي وحتى مدافعة ما تظنه مخالفة للشرع، لا يعني تجاوز حق الإنسان المسلم وغير المسلم، وتهذيب اللسان عن فحش الكلام، وخطورة الاتهامات، ولكن هذا الموقف كان مساحة عابرة ربما اقتضت التوقف ولكن ليس الحكم، فالروح التي تكتنف الشباب في تشاد، متعطشة للوعي الإسلامي، ولتفعيل المركز الأخلاقي.

       ولدى شباب النهضة في تشاد، مساحة انفتاح كبيرة تجاه التنوير الإسلامي الرشيد، الذي ينبع من أصول الشريعة وفقه الإنسان الأكبر فيها، وأذكر انني سُئلت عن أهمية مشاركة الكفاح الحقوقي بين المسلمين والمسيحيين في تشاد، وكان الشباب يتقدمون لدعم هذه المقاصد المشتركة، وأن اختلاف الدين لا يُلغي فريضة المشاركة لصناعة الوطن الجديد، عبر قيم العدالة للجميع، لكن ملف المعارضة التشادية معقد، ومع الاتفاق على خطورة المعارضة المسلحة، وأثرها الخطير في سقوط البلاد، فإن مساحة التعاطي مع الحراك السياسي لوطن العدالة الدستورية، هو حق لكل فرد من شباب تشاد.

لكن الشباب بحاجة إلى تكريس المشروع الذي ذكرناه، منهج يحمي خطوات وأسس التأهيل الفكري للمجتمع، ويحاول أن يصنع في ذات الوطن التشادي، آفاق نهضة تعليمية وطبية وصناعية وتنموية وزراعية، تتجنب مشروع مصادمات عدمي، وهو ما يحتاج الى أن الحكم الانتقالي يفتح أفقه للشباب، ويحترم خياراتهم وأفكارهم، ويعلن عهد حرية رأي جديد لكل البلاد.