الخليج العربي وسؤال التطرف الفكري
مهنا الحبيل
منذ توارد الانباء عن الجريمة الإرهابية، في أحد مساجد عُمان في منطقة الوادي الكبير، ليلة السادس عشر من يوليو تموز الماضي، اتخذت السلطات العمانية خطاً متحفظاً على خطاب التغطية، لمنع أي رسائل فتنة تحدثها في المجتمع، وخاصة ان الجريمة ارتكبت في مناسبة دينية للطائفة الشيعية، في مناطق تجمعات المقيمين الباكستانيين، ولذلك كان الضحايا من العمالة الآسيوية وخصوصاً الباكستانية، وهذا ما يجعل تطويق أي ارتداد طائفي ذو عنف دموي، هو مسؤولية مهمة للغاية، حرصت عليها المؤسسة الأمنية والسياسية في مسقط.
وتلاحظ هنا قضية مهمة وهي ان باكستان، هي احد مناطق الاشتباك الطائفية العنيفة، التي يتصدع لحوادثها القلب، ويذهل العقل، حينما تسمع خبر تفجير أو مداهمة مسلحة لتجمع ديني، وهي السطح الذي تعتمد عليه داعش وبقية الجماعات الإرهابية، مع تأكيدنا المركزي، على فكرة التوظيف السياسي الدقيق، الذي يدركه المحلل السياسي في المشرق العربي، وكيف أصبحت صورة تنظيم داعش، نماذج متعددة تخلق عبرها مجموعات لتنفذ عملياتها الإرهابية لصالح طرف دولي او إقليمي، أو يهيئ لها المسرح عبر الاتصال اللوجستي، بالمجموعة لكي تدفع لهذا العنف الدموي.
ولم تكن هذه الحوادث تقع في ازمنة قديمة، رغم وجود صراعات مذهبية صعبة، وفي باكستان بالذات، كانت روح الاستقلال لمسلميها، جامع يحمل الهم الوطني المشترك، في سبيل تحقيق نهضة جامعة لمسلمي آسيا الهندية، منذ ان تبين لقادة الحراك الوطني، الذين شاركوا المهاتما غاندي حركة الكفاح المدني، للخلاص من التاج البريطاني، واضطهاده لآسيا الهندية، وتسخير إنسانها وثروتها لبقاء الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، قبل ان تخضع لندن لسحب البساط منها عبر قوى غربية أخرى.
بل انك لو دققت في أسماء علاقات المصاهرة، بين القاعدة الوطنية في باكستان، لعجبت من تداخل الشيعة والسنة فيها، بما يصعب الفرز الحاد، فلماذا تغير الأمر بعد الثورة الإيرانية؟
لا يمكن هنا أن نعيد تفاصيل الاختلافات الطائفية التي طرأت بين زمنين، لكننا نلاحظ ان هذه الجماعات الإرهابية، تتكئ على عمليات الجماعات شبه الرسمية في العراق وسوريا وغيرهما، التي نفذت عمليات إرهابية ضد المسلمين، من الطائفة الأخرى، ثم تخلط هذه العمليات في عقل الشباب المندفع، والذي احتجز تحت تأثير التلقين المذهبي الصارم، لفكرته وعقيدته الجديدة، حين اعتنق التشدد والغلو، بالمشروع العسكري للغرب وذراعه الإسرائيلي، وبصور بغي المركزية الغربية المتطرف، في التطفيف في حق الإنسان خارج مركزيتها، ويكفينا هنا مشهد غزة والبيانات الأخيرة التي أصدرتها واشنطن والإتحاد الأوربي لتأكيد لحمتهم بالمشروع الصهيوني، فضلاً عن دعمه سياسيا وعسكريا.
ولو حاولنا أن تنظر لهذا الخلط في عقلية الشاب، لوجدنا كيف يلتقط التنظيم حلقة الغضب القصوى، ويدفعه لتنفيسها في جسد أبرياء، من المسلمين من باكستان إلى الصومال ودول افريقية عدة، أو من بلدان غربية، ثم يعلن حضوره السياسي في هذا الإقليم وذاك، لبقاء فكرة تمثيله لوحدة الأمة المزعومة، وهذا الداء الذي توسع وانتقل من فكرة القاعدة الأخيرة، بعد ان اسقطت النسخة الجديدة استراتيجية ابي مصعب السوري، بالتركيز على المواقع الاستراتيجية للغرب، لا الجسم المدني، وهو يذكرنا بباب التدخل التوظيفي الدولي، بعد ان أسقطت داعش القاعدة، وأعلنت حرباً على حركة طالبان، رغم انتصارها العسكري على المشروع الأمريكي.
ونحن في الخليج العربي في قلب هذه المعمعة، بين كلا طرفيها، الجماعات الإرهابية الدولية، او الميلشيات الطائفية من الطرف الآخر، والمرض الخطير تمكن من بعض دول المشرق العربي، وغن كان ينخفض ويصعد، لكنه داء خطير، ومواسمه مفاجئة، وقضية التوظيف هنا ليس بالضرورة ان المجموعة عميلة، ولكن توجه تلك القوة العاطفية المحمومة، وخاصة بعد هولوكوست غزة، إلى الجسم المدني البريء، فهو خاصرة رخوة يسهل تسجيل، نصر على حساب دمائها.
وبوادر نجاح عُمان، في تطويق الفتنة وقطع الطريق على بيان داعش، الذي اعد تصويره في هذا الاتجاه لخلق أرضية صراع وفوضى توحش، مطمئن جداً ولله الحمد، لسلامة مستقبل البلد، ويجب هنا ان نشير إلى ان مشروع عمان للتعايش والتعاضد الوطني، بدأ قبل عقدين من الزمن، ونجح في عدة دورات صعبة، وأصبح نسيجها الوطني مثقفاً ومتمكناً من فهم الفرق بين خلاف المعتقد، وبين سلوك الفرد، وضرورات التعامل، بل والإحسان الأخلاقي.
غير ان أهمية المسؤولية الفكرية في كل دول الخليج العربي، لا تزال حاضرة، ومساحة الاختراق قد تهيء، لهذا التنظيم أو ذاك، وهو ما يتطلب العودة الى السؤال الفكري، في تحصين المجتمع بأصل الخطاب الشرعي، ومقاصده بين العالمين، من خلال مواد حوار وإعلام، تقدم للمجتمع بصيغة خطاب المشاركة منه وإليه، وليس عبر تقريع هذه المدرسة الدينية او تلك، ولا تشجيع الصراع بينهم، فلا يمكن ان تنزع الناس من اطرهم المذهبية المحافظة، ولكن واجبك في توجيه خطابهم، إلى محاسن الشريعة وتذكيرهم بالمسؤولية فيه، وان اكبر خدمة تقدمها للمركزية الغربية والمشروع الصهيوني، هو أن تلقي ببلدك في اتون فتنة دموية مجتمعية.